top of page

حضارة الأجداد ومجارف الهدم

د. مدى عبد الله نصر

تعاقبت حضارات عريقة عديدة في الوطن العربي، تغنّى فيها كبار الباحثين والفلاسفة، وعزفت على أوتار أمجادها أصابع الكثير من الكتّاب. ففي بلاد الشّام حضارة بلاد الرافدين وفي مصر الحضارة الفرعونية وفي بلاد الرافدين الحضارة البابلية وفي الجزيرة العربية الحضارات اليمنية سبأ ومعين وقتبان وحضرموت التي نتغنى بها ليلاً ونهاراً ونتفاخر بها. فتحدثت عنها الكثير من كتب التاريخ اليمنية لاسيما كتب التاريخ العربية. إذ خلّد التّاريخ لتلك الحضارات حكماً وأقوالاً وآثار لا تزال موجودة في أرض الواقع كناطحات السّحاب التي تزخر بها المدن الأثرية كما خلّد لها التاريخ معاركها وانتصاراتها التي من خلالها نحتثّ تاريخها السرمدي. 

 

لقد طال الإهمال الحضارات اليمنية الموغلة في القدم، وأدّى إلى اندثار جزء كبير من حضارة أجدادنا التي نحتوا اسمها في سجل التّاريخ الأبدي. إذ اندثرت بعض العادات والتّقاليد اليمنية العريقة المتميّزة لاسيما اللّغة الحميرية التي أصبحت نسياً لغة ميتة إلا في رقعة أرضية صغيرة، كما تعرّضت الآثار الخالدة للحضارة اليمنية عبر التاريخ من مساجد وقلاع وسدود وتماثيل ونقوش ومخطوطات مسندية للإهمال. لذا من الضّروريّ الاهتمام وحفظ تلك الحضارات من الاندثار من خلال تعريف وتثقيف أجيالنا بحضارات أجدادهم التليدة.

وفي خضمّ مناقشة شجون الحضارات اليمنية القديمة والاهمال التي يعتريها، تفرض تساؤلات مهمّة نفسها هنا: هل كان هذا الهدم متعمّداً أو عفوياً؟ هل كان لهذا الهدم دوراً في انهيار البنيان المجتمعي الحضاري الإنساني؟ تبقى الإجابة على هذا التساؤلات مبهمة. فلا بدّ من عمل بحوث مقننة لدراسة هذه الموضوع ومعرفة الأسباب وطرح المعالجات الحقيقية. فالملموس أن هناك طمس لهوية الإنسان اليمني القحطاني الذي شيّد السّدود والوديان وبنى حضارة كانت للحكمة عنوان. وبالرّغم من هذه المعضلة لا يزال هناك وطنيّون في الميدان يعملون على حماية حضارة الأجداد التي زكّاها النبي المصطفى في حديثه الموسوم "...الإيمان يمان والحكمة يمانية ".

ختاماً، نؤكّد على ضرورة صَوْن هذه الحضارة العريقة وعدم المساس بها مهما كلّف الامر، لاسيما سنّ القوانين والتشريعات التي تكفل حمايتها والتنسيق بين الوزارات المعنية كالآثار والثقافة والسياحة، في سبيل توحيد الجهود التي تديم رونقها البهيّ الأخّاذ. علاوةً على ذلك، يجب إلزام وزارتَيْ التّربية والتّعليم كما التّعليم العالي على دمج أسس وقيم الحضارات اليمنية القديمة في مناهج التدريس وتشجيع الأبحاث العلميّة التي تتناول الحضارات اليمنيّة والتي تساهم في تعريف الشعب على أهمية حضارة وأصالة وعراقة بلاده معزّزةً روح الإنتماء للوطن وتراثه الثّريّ.

Name, Title

.تحليل ذو قيمة

bottom of page