top of page

الإقليمية هي طريق الكراهيـة

د .طه فارع غالب

PicsArt_12-24-11.44_edited.jpg

المناطقية هي إحدى أشكال التمييز والعنصرية في الدول والمجتمعات بمختلف أرجاء العالم. فمصطلح المناطقية حديث، ولم يستخدم إلّا في الوقت الحالي، حاملاً أحيانا إسم آخر وهو الإقليمية. لم يذكر في التاريخ مصطلح المناطقية من قبل ولم يرد مطلقاً في حوادث وقصص التاريخ العربي لكنه ظهر أخيراً في العصر الحديث، وقد بدأت المناطقية في الظهور في الدول المعاصرة وكانت النتيجة ردّة فعل على القبلية والتعصّب لها. فلجأ إليها من عانى من آثارها، وانتهجوا العنصرية المناطقية لصنع تحزب مضاد للقبلية وهي في الغالب تحزبات اجتماعية داخلية.

إن العنصرية المناطقية مثلها مثل القبلية، والطائفية، والشعوبية ولا تزال تضرب بأنيابها، وتغرس أفكارها في شتى مناطق العالم. إذ غدت في الوقت الحاضر تشكّل أزمة أخلاق وقيم لا يفيد معها اختباء الرؤوس في الرمال. فالبعض أصبح يمارسها علناً كإحدى متطلبات التمييز والمفاضلة بين أوساط المجتمعات، ومنها اليمن، وفي مختلف المجالات السياسية والإعلامية والاجتماعية.

 

والإنسان المستنير في أفكاره، المدرك لحقائق الأمور، الواعي بقيم الإنسانية ومعايير التحضّر، يتجنّب هذه المفاهيم والأفكار الخاطئة والشاذّة في حق وطنه ومجتمعه. فالأخيرة تُعتَبَر من السلوكيّات المتطرفة التي تزيد الشخص تعصّباً وتعمّقاً في الإنطواء والفردية والتقوقع حول الذات. علاوةً على ذلك، تثير المناطقية الكراهية بكلّ معانيها بين أفراد المجتمع، وتسبّب عداوات ونزاعات عنصرية مع الآخرين ليبتعد الأفراد أكثر فأكثر عن مفهوم السلام الاجتماعي الذي هو أساس تماسك وتطور الشعوب التي تحترم الإنسان والحياة الحضارية.

وتجدر الإشارة إلى تعدّد أشكال الكراهية التي تسبّبها المناطقية بآثارها الخطيرة على المجتمعات، خصوصاً عندما تصبح ثقافة لدى البعض، فهي تشمل الحقد والحسد والغيرة وتشعل روح الانتقام والتطرف في الحكم على الأمور تجاه الآخر ومعاداة النجاح ووضع المنغصات والمثبطات وغيرها، وجميعها إسقاطات نتيجة لأمراض مجتمعية متأصلة.

 

فالكراهية في زمننا الحالي في صعود وتنام لأسباب نفسية داخلية وأخرى خارجية، وشواهدها كثيرة، حيث ثقافة الانتقام والعنف ضد الآخر.

 

وتتنوّع أدوات الكراهية بين الطائفية البغيضة والمناطقية المنظّمة ذوالتمييز العنصري واﻹقليمية الضيقة.

 

وهناك صور متناقضة لحياة البعض تعكس مجتمع الكراهية، فبعض الأفراد يظهرون على وسائل التواصل الاجتماعي وكأنهم يعيشون بالمدينة الفاضلة لكنهم في أرض الواقع لا يحققون السلام مع بعضهم، وقد نرى أن الخطأ خفيف جدّاً بيد أن ردود الفعل قد تكون قاسية فيمكن عزوها الى بعض المعتقدات غير صائبة.

ومن هنا بات المطلوب منا أن نعمل بكلّ همّة وإرادة صادقة لإنهاء ثقافة الكراهية والحدّ منها بكلّ الوسائل الممكنة، منها توظيف وسائل الإعلام بدور فعّال وهو إقناع أفراد المجتمع، خصوصاً الذين يعتنقون المناطقية، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تلقى رواجاً واسعاَ لدى الشباب، ومن خلال اللقاءات والمناسبات الاجتماعية المتاحة، مع تبيان وتوضيح سلبيات وآثار المناطقية على المجتمعات، وما تخلّفه من تفريق وتشرذم وكراهية في أوساط المجتمع، لاسيما من خلال التأكيد على الالتزام بقيم التسامح، والمحبة، والعطاء، والعدل في النظر إلى مقاليد الأمور، تجنباً لظلم الآخرين، وأن لكلّ تصرّف خاطئ فاعل محدّد، ولكلّ مشكلة أسباب لا بدّ من معالجتها من دون مغالاة في الأمور والأحكام.

ختاماً، نؤكّد على أن الحدّ من أفكار وثقافة المناطقية والطائفية يحتاج منّا جميعاً، أفراد ومؤسسات وجهات رسمية، نشر الفكر التنويري وثقافة تقبّل الآخر، وبثّ روح التّسامح فتغدو تصرّفاتنا متوازنة، وردود أفعالنا وسطية بعيدة عن التطرّف والمغالاة.

Name, Title

.تحليل ذو قيمة

bottom of page