top of page

التوزيع السكاني والتنمية

د. قيس أحمد المحمدي

التوزيع السكاني.jpg

 

 

 

 

تمثل المشكلة السكانية عائقاً من عوائق التنمية وستظل تهديداً لبرامج التنمية مع أن مساحة اليمن تزيد عن (555.000 كم2). وبمجرد النظر إلى هذا الرقم نتساءل لماذا يتجدد الصراع؟! ولماذا يتركز السكان في مناطق محددة دون غيرها؟! ألأن المناطق غير المأهولة بالسكان غير جاهزة للاستغلال؟! تلك تساؤلات تفرض نفسها وتستدعي البحث عن إجابات لها.

الحقيقة الجلية هي أن مساحة اليمن الواسعة - مقارنة بعدد السكان الحالي-  تمثل فرصة لأن تكون داعمة للسلام وللتنمية بشرط تحقيق توازن في توزيع السكان الحاليين على مختلف المناطق والأراضي التي تتوفر فيها الموارد الطبيعية القابلة للاستغلال مثل محافظتي المهرة والجوف.

سيظل مجتمعنا اليمني غير مواكب للمجتمعات المتقدمة وسيظل غير مستقر بسبب تجدد الصراعات من فترة لأخرى، وبسبب استمرار الأخطار والمشاكل السكانية والبيئية والاقتصادية والاجتماعية؛ لذا فإن من القضايا الحيوية ذات الأولوية هي الارتقاء بالمجتمع والوصول به إلى مستوى عالٍ من النضوج الفكري والثقافي والتكنولوجي، وعلينا أن نتجاوز فترات التخلف التنموي وانعدام الأمن الغذائي، ثم يلي ذلك الانتقال إلى معالجة مشاكلنا بشكل بنَّاء وابتكار إصلاحات جذرية طويلة المدى، واتباع تدابير عاجلة تهدف إلى توجيه طاقات المجتمع وإمكانياته نحو التنمية المستدامة.

 إن زيادة السكان وتمركزهم في مدن محددة فيها العديد من المخاطر قد تجعله أحد العوامل الرئيسة والمؤثرة في مشاكل اليمن، لا سيما أن المشكلة السكانية  في بلدنا معقدة من عدة نواحٍ، منها: الأولى ناتجة عن استمرار زيادة عدد السكان إلى الدرجة التي لم تعد الموارد الموجودة حالياً كافية لتلبية احتياجاتهم، والثانية ناتجة عن ضعف مهارات عدد كبير من السكان وقدراتهم - بسبب الجهل والتخلف – عن توفير وسائل الإنتاج واستخدامها، والثالثة غياب أو عدم تنفيذ خطط التنمية وتجذر الفساد؛ وبهذا فإن التوزيع الديموغرافي لسكان اليمن لا يتفق مع الحد الأدنى من قواعد الاستغلال الأمثل وطرقه للموارد الطبيعية والاقتصادية بأنواعها المختلفة.

 من المؤلم اعتماد المجتمع على استيراد غالبية احتياجاته من الخارج، وهذا يسبب مخاطر التبعية الاقتصادية للأجنبي رغم أن اليمن تمتلك أراضٍ ذاتِ تضاريس ومناخات متنوعة، وبها مساحات واسعة قابلة للاستصلاح، وصالحة لإنتاج أجود أنواع المنتجات الزراعية، كما أن اليمن تمتلك خطاً ساحلياً طويلاً يبلغ طوله (2520 كم)، وبالرغم من ذلك فإننا نلاحظ تمركز السكان في الأرياف وفي مراكز المدن الرئيسية.

 

ومن المنطقي أن تحركات السكان ومعيشتهم ترتبط بوفرة الموارد ومصادر العيش، وهذا ما يفسر وجود قلة من السكان الذين يقطنون بالقرب من المناطق الصناعية فلا يمكن لهذه المناطق الصناعية القليلة أصلاً أن تستوعب مزيداً من القادمين من المناطق الريفية.

لمعالجة هذه القضية الحرجة، نحن بحاجة ملحة لمعرفة الحجم المناسب للسكان في كل منطقة من مناطق بلدنا، وفي هذا الشأن لا يكفي التركيز على مجرد العدد ومساحة الأرض إذا لم يكن المجتمع مُعداً - في جميع النواحي - للإنتاج وللاستغلال الأمثل لجميع الموارد الطبيعية وبأحدث الطرق والتقنيات الحديثة. نحن نحتاج إلى ربط النظم المالية والاقتصادية والاجتماعية ببرامج التنمية الزراعية والحيوانية المستدامة مع إيجاد حلول ومعالجات للمشاكل السكانية عبر إعادة توزيع السكان من خلال التدخل المباشر وغير المباشر للدولة (الحكومة والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني).

 من الممكن أن نتعلم أو نسترشد بتجارب الكثير من البلدان الناجحة تنموياً، لا سيما تلك التي اتبعت استراتيجيات وتدابير شملت تخفيض النفقات العسكرية وتوجيه الفارق منها نحو برامج التنمية المستدامة، كما قامت بلدان أخرى باستغلال رأس المال المعرفي والتكنولوجي بالتوازي مع حسن استغلال الموارد الطبيعية الكبيرة. 

يتحقق الأمن المائي والغذائي من خلال التخطيط المصفوفي والمتوازن بين عددة عناصر متداخلة التأثير تشمل السكان والموارد وإدارتهما بحيث تأخذ في عين الاعتبار جميع المتغيرات وحجم السكان الأمثل في كل منطقة، وتمكين سكان تلك المناطق، وتوفير البنية التحتية المقبولة، وضبط معدل الهجرة الداخلية والخارجية في هذه المناطق.

تاريخياً، بنى اليمنيون العديد من الحضارات، وعرف عنهم قدرتهم الفائقة في التأقلم والإبداع في هندسة والقصور والحواجز والسدود وقنوات الري والمدرجات وبنائها، وفي المقابل يتعرضون منذ القدم لكثير من التهديدات أبرزها الصراعات الداخلية، وهذا يسبب العديد من الإشكالات، فهل نحن جاهزون لإيقاف الصراعات والعودة إلى التطور الحضاري بفكر العصر الحديث وتدابيره؟!

Name, Title

.تحليل ذو قيمة

bottom of page