top of page

رأس المال الفكري والتنمية

د.أحلام القباطي

رأس المال البشري.jpg

 يعيش العالم اليوم تغييرات متسارعة في مختلف المجالات التكنولوجية والمعلوماتية والتخصصية والاجتماعية والسياسية مما أدى إلى ظهور مفاهيم جديدة أحدها مفهوم "رأس المال الفكري"، حيث تسعى المؤسسات بمختلف أنشطتها إلى الاستفادة من قدرات رأس المال الفكري في تسيير الأعمال والمهام المؤسسية والإنتاجية والخدمية  والمجتمعية.

 ويكتسب موضوع رأس المال الفكري واستثماره أهمية متزايدة اليوم بوصفه الرافد الأساسي الذي يسهم في اكتشاف القدرات المعرفية والتنظيمية للأفراد وتدعيمها، تمكنهم تلك القدرات من إنتاج الجديد للمؤسسات المنتمين إليها بجودة عالية ومن ثم توسيع حصتها السوقية من جهة، وتعظيم نقاط قوتها من جهة أخرى مما يكسبها ميزة تنافسية تميزها عن غيرها.

إن التعامل مع التنمية على أساس أن لا علاقة لها بالجانب الفكري والإبداعي للموارد البشرية هو أمر في غاية الخطورة، فقد حان الوقت كي يتم الجمع بين النظريات الاجتماعية والاقتصادية و السياسية  وبين التطبيق المعياري لأسسها للنهوض التنموي، لأنها  الطريقة  المُثلى التي تمكن أي مجتمع  من أن يصبح منتجاَ، ويحقق جودة في المؤسسات والمجتمعات التي من المفترض أن تصبح أكثر إنتاجاً للمعرفة والمهارة  بدلاً من التركيز على تنمية الأنظمة بعيداً عن الأفراد.

ويعد المورد البشري لأي مؤسسة من أهم مكونات رأس المال الفكري، وقد ذهب متخصصو التنمية إلى تبني منظومة من المسلمات في هذا المجال، منها التأكيد على أن أهمية رأس المال الفكري تفوق أهمية الموارد المادية الأخرى بوصفه الموجه الأساسي لجميع الأنشطة، من خلال ما يمتلكه من  المعارف والمهارات والخبرات المكتسبة في  مختلف مراحل  التعليم  والعمل والتدريب، سواء في المجال التخصصي أو في الحياة العملية أو العامة.

إن المعرفة هي المحرك الأساسي للعملية التنموية بجميع مجالاتها، ولم يعد ذلك مقتصراً على رأس المال المادي كما كان في الماضي؛ فرأس المال الفكري يقوم على استراتيجية تراكم المعرفة وليس على تراكم رأس المال.

 

من منظور آخر يقوم رأس المال الفكري على المزج بين المعلومات والخبرات والبيانات الموجودة في الموارد البشرية وبين ملكات الإبداع والابتكار والبحث والتطوير التي تمتلكها؛ لذا فرأس المال الفكري يتكون من شقين أولهما المعرفة الظاهرة المتمثلة بالقاعدة المعلوماتية من معلومات وبيانات ومعارف من مختلف المجالات، والآخر المهارات الكامنة  المتمثلة في قدرات الأفراد على استثمار تلك المعلومات في الإنتاج وتوظيفها بمختلف مجالاته.

ورأس المال البشري هو المعني بتخطيط نوعية العمل وتسييره، وتحديد طبيعة المهام المرتبطة بشكل مناسب، أي إنه أحد أهم عوامل الإنتاج. ولا نعني هنا مسألة كمية العمل إنما نعني به  المهارات التي يمكن أن يحققها الموظف، وبالتالي هو طريقة أخرى لزيادة الإنتاج؛ لذا فإن تحسين رأس المال البشري باستمرار أمر بالغ الأهمية لتحقيق التنمية الشاملة، ومثال عن ذلك أن جزءاً كبيراً من ازدهار اليابان  المستمر قامت به الطبقة الوسطى الناشئة التي تعطي أهمية كبيرة للمعرفة والمهارة كما هو الحال بالنسبة للصين والهند وإندونيسيا وماليزيا أيضاً.  

ينجم رأس المال الفكري عن تفاعل المكونات الثلاثة المتضمنة في: رأس المال الهيكلي، ورأس المال البشري، ورأس مال العملاء. وقد أصبح الشغل الشاغل للهيئات والمؤسسات الساعية إلى الريادة هو كيفية تسيير هذه المكونات للنهوض بها، وتطوير المستوى المهني والإنتاجي من خلالها؛ وهذا يبرهن العلاقة الوطيدة بين تعزيز رأس المال البشري وبين التنمية، لذلك لا يجب إهمال رأس المال البشري - الذي يشكل عاملاَ مهماً وفعالاً في تحسين جودة الحياة للمجتمعات على مختلف الأصعدة - عند البحث عن طرق جديدة لتعزيز التنمية.

   توجد علاقة طردية بين رأس المال الفكري وبين عملية النهوض التنموي الشامل؛ إذ يكون له تأثير قوي على التطوير المجتمعي والمؤسسي من خلال تطبيق ما يملكه الأفراد من معلومات  ومهارات في مختلف الجوانب المهنية، أي أن رأس المال الفكري يشير إلى المعارف والمهارات والدوافع التي يمتلكها الأفراد لتطوير مؤسساتهم ومجتمعاتهم، مما جعل أغلب الهيئات والمؤسسات تسعى جاهدة لامتلاكه بوصفه مورداً استراتيجيا ومصدراً أساسياً للإبداع  يمكنها من الحفاظ على الميزة التنافسية.

 وفي هذا المضمار نلاحظ أن الهيئات والمؤسسات في اليمن - في ظل الأوضاع المعيشية المتردية والصراعات المستمرة – قد دخلت مرحلة الخطر الحقيقي، حيث شهدت المؤسسات اليمنية مشاكل كبيرة نتج عنها إفلاس أغلبها، وتسريح موظفيها مما أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة وانتشار الفساد بمختلف أنواعه ما يجعلها تدخل في منحدر خطير.

 وإذا ما افترضنا أنه تم توفير الوظيفة براتب مناسبً نوعاً ما، فإنه تظهر أمام المؤسسات أحد أهم المسؤوليات التي قد تصبح عائقاً أمام تسيير رأس المال البشري ألا وهي توفير مستوى ملائم من الرضا الوظيفي، وهي تعد من المهام التي تقدم  المؤسسة من خلالها العناية المهنية  لمواردها  البشرية ، وتكون في الوقت ذاته مطلباً أساسياً في زيادة الإنتاجية وتحسين نوعية الأداء والإنتاج. ويشير مفهوم الرضا  الوظيفي إلى "جميع الإجراءات التسهيلية والتحفيزية والخدمات التي تقدمها المؤسسة بهدف توفير بيئة مهنية مناسبة، وحماية مواردها البشرية من الضغوط التي يمكن تفاديها بطرق مختلفة وفقاً لنوعيتها، أو الحد من إصابات العمل نفسيا وجسميا ومهنياً".

 لقد كانت الرعاية المهنية للموارد البشرية سابقاً مجرد خدمات اجتماعية إرشادية، تقوم بها المؤسسات  أو الدول عندما يتوفر لديها فائض في ميزانيتها وتفتقر لخاصية الطابع التكاملي. إن هذه النظرة قد تغيرت؛ إذ تأتي الكفاية الإنتاجية عند رفع مستوى الرضا الوظيفي، ذلك أن الفرد الذي يعاني من خلل في الرضا الوظيفي لأسباب مختلفة قد يمثل هذا الخلل عائقاً  بينه وبين القيام بالمجهود الكافي داخل العملية الإنتاجية، بينما يستطيع الفرد الذي يشعر بالرضا الوظيفي المناسب أن يشارك مشاركة جدية وفاعلة في النهوض بكل المهام وأن يقدم مجهوداً مميزاً يصل إلى الإبداع أحيانا.

ويمكننا القول إن من أهم الأسباب المعيقة للمؤسسات والهيئات اليمنية هو نظم  تسيير الموارد البشرية التي لا تزال تتخذ نمطها التقليدي في طرق التعامل والتوظيف وندرة الاهتمام بالتحفيز والعناية والتدريب، وهذا الأمر يتطلب ضرورة إيجاد استراتيجية قادرة على مواجهة التحديات الكبيرة.

 

مرتكز هذه الاستراتيجية يكمن في كيفية الاهتمام برأس المال البشري، وبالتالي فإن من الضروري إعادة النظر في كيفية تسيير نظم الموارد البشرية؛ لتتمكن من استثمار رأس المال الفكري بشكل ينعكس إيجابياً على مخرجات المؤسسات، والعمل وفق مبدأ "أن ما ينفق على مواردها البشرية ليس تكلفةً بل استثماراً حقيقياً" وأنه سيعود عليها بعوائد إيجابية ما يجعلها قادرة على مواجهة التحديات الجسام، ويمكِّنها من امتلاك الميزة التنافسية والاستمرارية.

Name, Title

.تحليل ذو قيمة

bottom of page