top of page

اليمن في عيون الغرب

 د.عبدالقوي حزام الشميري

اليمن في عيون الغرب.jpg

كانت اليمن – وستظل - محط أنظار العالم، قصدها علماء الآثار والسائحون وكتب عنها الباحثون والإعلاميون للتعرف على حضارتها و ثقافتها وتقاليدها وشعبها وتاريخها وحاضرها.

 

 قبل عدة سنوات، قرأت مقالاً نشرته صحيفة الجارديان البريطانية بعنوان "عشرون شيئاً ينبغي عليك معرفتهم عن اليمن" للكاتب البريطاني الشهير براين وايتكر، ومنذ ذلك الحين ظل موضوع الكتابة عن  اليمن من منظور غربي فكرة مؤجلة إلى أن سنحت الفرصة لترجمة هذه الفكرة على الورق  من خلال هذه النافذة.

الكتابة عن موضوع كبير بهذا الحجم في مقال قصير ليست بالأمر اليسير؛ حيث إن الغرب ليس كياناً واحداً على الصعيد الفكري والثقافي والسياسي، وإنما هو فسيفساء متنوعة مثله مثل العالم العربي تجمعه أشياء وتفرقه أُخرى.

 

وفي الوقت ذاته نجد أن غرب القرن الثامن عشر يختلف عن غرب ما بعد الألفية الثانية، وعندما نتحدث عن العيون فالعيون متعددة إذن؛ فهناك العين السياسية والعين الإعلامية والعين السياحية... إلخ. فرؤية النرويج لليمن مثلاً قد تختلف عن رؤية أمريكا، ورؤية إيطاليا تختلف عن رؤية بريطانيا. وبالمثل فإن رؤية السياسي تختلف عن رؤية الإعلامي، ورؤية السائح تختلف عن رؤية التاجر، فلا الغرب غربُ واحد ولا العيون عينُ واحدة.

ونظراً لتعددية "الغرب" و تعقيد المصطلح ينبغي أن يُعرف وفقاً للسياق الذي يذكر فيه، فهو - وفقاً لمحمد أركون- مصطلح جيوسياسي وجيوثقافي ، يطلق عادةً على الدول الأوروبية وأمريكا الشمالية، وهي دولُ يجمعها فكر ثقافي وأيديولوجي متشابه، فحديثنا عن الغرب هنا هو حديث عن القواسم المشتركة التي تجمعه وعن العقل الجمعي الذي يفكر به.

 

ونقصد بالعقل الجمعي هنا مجموعة الأفكار والقيم والأيدولوجيات التي يؤمن بها العالم الغربي حول ذاته (الغرب) وحول الأخر (العرب) التي تشكلت عن طريق مؤسساته التعليمية والدينية والفكرية خلال فترة طويلة من الزمن.

  وبما أن الإعلام يعد من أكثر النوافذ التي تعكس الفكر الجمعي لمجتمع ما، فإن السطور الآتية ستتناول النظرة الغربية لليمن من خلال مقالة (ويتكر) التي صدرت في عام 2011م، ولابد من الإشارة هنا إلى أن ما يكتبه الغرب عن العرب هو صورة نمطية قد تكون صائبة من زاوية محددة وقد تكون خاطئة أو غير دقيقة من زوايا أخرى.

تناولت مقالة (ويتكر) اليمن من منظور تاريخي، وسياسي، واجتماعي. تمحور الجانب التاريخي حول وصف اليمن بأنها "أرض الملكة سبأ"، وعادة ما يتداول هذه النظرة الأكاديميون أو المثقفون الغربيون بشكل عام، وهي مستوحاة من قصة النبي سليمان وبلقيس اليمن المذكورة في التوراة.

 

بينما تمحورت الصورة الثانية حول تسمية اليمن بـ"أرض اليمن السعيد"، وهذه التسمية تعود إلى كتابات المستشرقين عن اليمن، وهي نظرة مقتصرة على النخب الفكرية الغربية.


 

 

أما الصورة الثالثة التي عرف (ويتكر) اليمن بها هي  "أرض القهوة"، وهو يشير هنا إلى قهوة "موكا" التي كانت تُصدر عن طريق ميناء المخاء.

 

وتطرق أيضاً إلى بيوت حضرموت ووصَفها بـ"ناطحات السحاب الطينية"، وبالطبع لم يغفل الكاتب الحقبة الاستعمارية ودور بريطانيا في ازدهار عدن؛ إذ يزعم أنها أصبحت الميناء الثالث عالمياً بعد نيويورك وميناء ليفربول.

وفي الجانب الاجتماعي تطرق الكاتب للقبيلة اليمنية وتأثيرها السلبي على السياسة، ولعادة مضغ القات عند اليمنيين واصفاً إياه بالمخدر الذي يتعاطاه غالبية اليمنيين عادةً يوميةً، وأشار الى  مصطلح "حق القات" مركزاً على ظاهرة الرشوة في اليمن.

 

وتطرق إلى لبس الرجال للمعاوز و"الفوط" مشبهاً إياهم بـ"رجال بتنورات"، وتناول التركيبة المذهبية في اليمن والتوغل السلفي والجالية اليهودية والكنيسة الإنجليكانية في عدن.

في الجانب السياسي - وهو أكثر الجوانب التي تناولها- أشار الكاتب إلى ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، وتدخل دول الجوار والإقليم في مجرياتها، وإلى الوحدة التي وصفها بأنها تمت بين "الجنوبيين الماركسيين" و"الجمهورية الشمالية"، وإلى حرب 94 التي أرجع سببها إلى تذمر الجنوبين من "الطرق الملتوية" لنظام الحكم في الشمال.

 

ثم تناول الديمقراطية اليمنية واصفاً إياها بـ"الديمقراطية الأولى في الجزيرة العربية" التي تسمح بإجراء انتخابات تنافسية ترشحت فيها المرأة وفازت بمقعدين،  إلا أنه قلل من حدة ذلك المدح للديمقراطية اليمنية عندما وصف تلك الانتخابات بأنها كانت صورية وليست حقيقية. تطرق (ويتكر) أيضاً إلى واقع اليمن السياسي واصفاً اليمن بالدولة الضعيفة التي يحكمها العُرف القبلي أكثر من القانون، و تتقاذفها الأمواج المدمرة من كل جهة. وفي الأخير تطرق الكاتب إلى أسامة بن لادن وإلى انحداره من أصولٍ يمنية. 

منذ زمن بعيد والغرب يرسم صورة الشرق ببيئته الاجتماعية وأنظمته السياسية وثقافته العربية الإسلامية وتركيبته القبلية، وهذه المقالة المختصرة تعكس جزءاً من رؤية الغرب لليمن، حيث قدم الكاتب اليمن في صورة قوالب نمطية غالبيتها سلبية - مع أن كثيراً منها واقعية - مختزلاً اليمن في تاريخ إيجابي وحاضرٍ سلبي.

Name, Title

.تحليل ذو قيمة

bottom of page