top of page

عودة المغتربين

أ.د فتحية محمد باحشوان

image.jpg

تُعد الهجرة من الظواهر التي صاحبت وجود الإنسان على الأرض في كل عصر من عصور التاريخ، ويتصف أبناء محافظة حضرموت بحبهم للهجرة والسفر بحثً عن لقمة عيش كريمة، وقد هاجر أبناء هذه المحافظة في فترات تاريخية سابقة إلى كثير من دول العالم، لا سيما شرق آسيا والقرن الأفريقي والخليج العربي وتحديداً المملكة العربية السعودية، واستقر الحال بكثير منهم في تلك المناطق فساهموا في بنائها.

يعد المغتربون من القوى الأساسية في عملية التغيير السكاني في المنطقة، حيث يؤدي وجودهم إلى ظهور أنماط جديدة من السلوك الاستهلاكي لم تكن معهودة في السابق في المجتمع القادمة إليه.

وإضافة إلي النمط العادي والطبيعي الذي يرتكز علي ضروريات الحياة فقد ظهر نمط الاستهلاك الترفيهي، أي أن تمويلات المهاجرين مكنت الكثير من العائلات من الارتفاع بمستوى معيشتها، وعملت كذلك على محاكاة أنماط استهلاكية تشبه النمط السائد في مجتمعات البترول، بل لقد ذهبت بعض تلك العائلات إلى محاكاة المجتمعات الخليجية في الملبس والحلي وتأثيث المنازل، وأصبح لدى الناس انجذاب شديد لاستيراد المزيد من السلع المصنعة, وأصبحت معظم الأسر تعتمد اعتماداً كلياً في طلباتها وحاجاتها على المهجر, وساعد في ذلك سرعة النقل الجوي وكثافة حركة الناس من وإلى تلك الدول أسبوعياً.

كان أول عودة للمغتربين مع اندلاع حرب الخليج في العام 1990م ما أدى إلى شح العائدات الاقتصادية التي كانت تجنيها البلاد من تحويلات المغتربين التي ساعدت في تلك الآونة على تحقيق الاستقرار الاقتصادي و إحداث انتعاش للنشاط التجاري وما صاحبها من تحولات اجتماعية وثقافية متسارعة في بنية النظام الاجتماعي والاقتصادي بشكل عام مما أثر سلبياً على الاقتصاد اليمني.

أما العودة الثانية فكانت من خلال الإجراءات التي اتخذتها المملكة العربية السعودية مؤخرا والمتعلقة بالوافدين لديها، فقد انعكست سلباً على أبناء محافظة حضرموت. هذه الإجراءات قضت بعودة عشرات الآلاف من أبناء المحافظة إلى مدنهم وقراهم في المحافظة، حيث تشير البيانات والمعلومات المتوفرة إلى أن المحافظة قد استقبلت خلال الفترة القريبة الماضية عشرات الآلاف من العائدين من الاغتراب. وقد أشار تقرير منظمة الهجرة الدولية إلى أن عدد العائدين من المواطنين اليمنيين خلال الفترة من يناير إلى أكتوبر 2018م قد بلغ (62,713) مواطناً، منهم في حدود (25%) من مواطني محافظة حضرموت، ولا زالت حضرموت تستقبل أفواجاً كبيرة من العائدين يومياً.

فقد هؤلاء العائدون مصدر رزق لهم ولأسرهم، وفي الوقت ذاته تأثرت الكثير من الأسر في الداخل؛ فقد كانت تعتمد بشكل مباشر على مصدر رزقها من التحويلات المالية التي كانت تصلها من أبناءها في المهجر. كما ارتفعت معدلات البطالة بينهم، بالإضافة إلى انخفاض مستوى الدخل الشهري لدى بعض الأسر مما يجعلهم يعيشون ضمن حدود الكفاف الذي يلبي احتياجاتهم الأساسية فقط، كل ذلك جعل منهم أفراداً غير فاعلين في المجتمع، وقلقين من المستقبل بسبب العوز المادي الذي يعد من أهم العوامل في إيجاد مفهوم الاغتراب الاجتماعي لدى الاسرة.

بالطبع سيؤدي هذا الوضع إلى تبعات خطيرة على سكان المحافظة، فهؤلاء العائدون بحاجة إلى أعمال أولاً، وإلى خدمات المياه والصرف الصحي والتعليم والصحة والسكن وغيرها من الخدمات ثانياً، في ظل إمكانيات المحافظة المحددوة. وقد بدأت آثار هذه المشكلة تظهر على السطح، فقد ارتفع إيجار السكن بشكل غير مسبوق، فخلال الأشهر الماضية ارتفعت أسعار الشقق في مدنية المكلا في الأحياء الشعبية من (30,00) ريالٍ يمني إلى (45,000) ريال في المتوسط بنسبة (50%)، أما في الأحياء الراقية فقد ارتفعت بنسبة (150%)، وفي الوقت ذاته استقبل مكتب التربية بالمحافظة الآلاف من أبناء المغتربين الذين تم ضمهم إلى المدارس الموجودة حالياً مما شكل ازدحاماً كبيراً في الصفوف الدراسية.

وبالرغم من ذلك، تعد هذه الأمور رد فعل طبيعي تماماً للتغيي, وحتى بعد هذه الأوقات العصيبة، عادةً ما تكون هنالك انطلاقة جديدة وآمال وأحلام طموحة لاكتشاف طرق ووسائل للتكيف مع الحياة.

Name, Title

.تحليل ذو قيمة

bottom of page