سن المراهقة
أ.د. فتحية محمد باحشوان
تعرف فترة المراهقة بفترة الانتقال من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الشباب، وهي تبدأ من سن (12) وتنتهي في سن (21) عند الذكور، أما عند الإناث فتبدأ من سن (13) وتنتهي في سن (22). وتعد فترة المراهقة فترة الانتقال من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الشباب، وتبدأ بشكل بيولوجي (عضوي) هو البلوغ، ثم تصبح في نهايتها ظاهرة اجتماعية؛ حيث يقوم المراهقون بأدوار أخرى غير ما كانوا يقومون به قبلاً.
تتأثر هذه الظاهرة بعوامل النمو البيولوجية والفسيولوجية والعديد من التغيرات الجسدية والعاطفية التي قد تُشعر المراهقين بالضيق وعدم الارتياح، كما تزداد رغباتهم في الاستقلالية والاعتماد على الذات التي قد تتعارض مع دور الأهل مسببة بعض المشاكل.
وقد أثبتت الدراسات أن المراهقة مرحلة نمو عادية، وأن المراهق لا يتعرض لأزمة من أزمات النمو ما دام هذا النمو يسير في مجراه الطبيعي، إذ تصاحبه كثير من التغيرات الجسدية والنفسية والمعرفية والعاطفية للطفل.
والأوضاع التي يمر بها المراهق هي الصراعات النفسية التي تصيبه أثناء محاولته الاستقلال وتحمل المسؤولية وترك حياة الاعتمادية، والضغوط الاجتماعية والخارجية التفكير المستقل، واختيار المهنة، والتعليم، واتخاذ القرارات، وتحقيق الذات، مع مراعاة أن يكون ذلك ضمن دائرة المعايير الاجتماعية والدينية، إضافة إلى اختلاف وجهات النظر بين الوالدين والمربيين فيما يتعلق ببعض المفاهيم مثل السلطة والحرية والنظام والطاعة وغيرها.
نتيجة لهذه التغيرات تختلف نظرة الأبناء للأشياء من حولهم، وكذا طريقة تعاملهم مع المواقف والمحيطين بهم، وقد يكون هذا الأمر مرهقاً لهم ولأمهاتهم ولآبائهم معًا؛ لذا قد يعاني بعض الأبناء من الشعور بفجوة فكرية كبيرة بينهم وبين آبائهم، وهذا قد يدفعهم إلى الانطواء عن الأهل في هذه الفترة، نتيجة شعورهم بأن لا أحد يستوعبهم أو يفهم ما يمرون به.
تؤثر التغيرات النفسية التي يمر بها المراهقون في سلوكياتهم بشكل كبير، وقد يترك أثره فيهم طوال حياتهم، سواء بشكل إيجابي أو سلبي. ويشعر المراهقون في هذه المرحلة بالحاجة إلى مزيد من الخصوصية، وقد يبدؤون باستكشاف طرق للاستقلال عن أسرهم، ويتفاعلون بحدة إذا حاول أحد الوالدين معاملتهم بشدة، أو وضعِ عليهم مزيدٌ من القيود.
ويتمركز تفكير المراهقين في هذه المرحلة أيضاً حول إثبات الذات والشعور بالاستقلالية أو التمرد والاعتماد على الأصدقاء أكثر من الأسرة، ويمثل ضغط الأقران والأصدقاء دوراً مركزياً في عملية صنع القرار والأنماط السلوكية، بما في ذلك الأنماط المعادية للمجتمع وغير السليمة التي تعرض المراهقين للخطر، مثل العدوانية وشرب الكحول وتعاطي المخدرات وممارسة الجنس غير الآمن وغيرها من العادات السيئة.
كما أن هذا قد يساعد في تحديد هوياتهم والتعبير عنها في العديد من سلوكيات، مثل: أذواقهم الخاصة في الموسيقى، الانضمام إلى الجماعات، توسيع الشبكات الاجتماعية على الإنترنت، اختيار ملابس غريبة.
لذلك، يجب التعامل بحذر في هذه المرحلة، ومنح المراهق مزيدًا من الخصوصية، ومحاولة مشاركته في وضع الحدود، والتحدث معه، وجعل العلاقة بينه وبين والديه أقرب إلى علاقة الصداقة كي تُكسب ثقته في هذه الفترة الحرجة.
أيضاً، لا بد من توجيهه دون ضغط، والاستماع إليه، ومقابلة التمرد بمزيد من الاحتواء ليلجأ إلى والديه عند طلب النصيحة أو المشورة. ويفضل إذا ما شعر الآباء في هذه المرحلة بعدم القدرة على التعامل مع الأبناء أن عليهم يستشيروا مختصاً نفسياً ليساعدهم على التعامل مع أبنائهم، لا سيما إذا كان لديهم سلوكاً عنيفاً أو رفضاً تاماً للاستماع وتقبل النصيحة، أو إذا أثر سلوكهم على تعاملهم مع المحيطين أو في المدرسة.
يحتاج الأبناء –في فترة المراهقة بالذات- إلى صديق أكثر من احتياجهم إلى أب وأم، لا سيما أنهم يشعرون بأنهم قد نضجوا بالقدر الذي لا يحتاجون فيه إلى من يملي عليهم أفعالهم، أو يرسم لهم حدوداً، أو يحاول فرض رأيه عليهم، ويحتاج الأبناء أيضاً إلى التعامل بهدوء، وإلى الاستماع أكثر من التحدث، والتوجيه غير المباشر في صورة إبداء رأي دون نقد أو بناء أحكام، وإلى معاملتهم على أنهم قادرون على اتخاذ قراراتهم، ومنحهم الثقة؛ فالمراهقون يرغبون في أن يشعروا باهتمام عائلاتهم وتقديره لهم.
إذن، فترة المراهقة هي الفترة التي يمر خلالها الشخص بالعديد من التغيرات الجسدية والعاطفية، ولفهم المراهق أكثر لا بد من معرفة هذه الضغوطات التي تواجهه، فيجب على الآباء التحلي بمزيد من الصبر عند معاملته؛ حيث إنه يحتاج إلى الوقت الكثير ليجد التوازن الصحيح لسلوكياته واستقلاليته، فإذا ما قام المراهق في بعض الأحيان بسلوك سيء فإنه سيعود إلى طبيعته في الوقت المناسب، لذلك يجب على الآباء أن يغفروا وينسوا أو يتجاوزوا عن أخطاء أبنائهم المراهقين، والمضي قدماً نحو توجيه سلوكياتهم.
Name, Title
.تحليل ذو قيمة