top of page

الاستقرار الأسري

أ.د. فتحية محمد باحشوان

دور المرأة  اليمنية في التنمية المجتمعية .jpeg

الاستقرار الأسري عبارة عن علاقة أسرية تقوم على التفاعل الدائم بين أفراد الأسرة جميعاً، وهي ثمرة سلوك قصدي (متعمد) في معظمه، وشعور يترتب عن الأعمال التي يقوم بها كل فرد في الأسرة، وعلى إدراك الدوافع والنيات التي تقف وراء سلوك الأطراف الأخر؛ فالأسرة هي النواة الأساسية للمجتمع.

 والأسرة السليمة (Safe Family) هي الأسرة التي تتأسس على زواج سليم (Safe Marriage) شرعي ومتكافئ يجمع رجلاً وامرأة معاً على اتفاق تعاون اجتماعي طويل المدى، ومتوافق نفسياً واجتماعياً. تمتلك الأسرة بهذا الزواج مقومات شخصية مشتركة بيولوجية وثقافية واقتصادية ومادية وعاطفية للاستمرار والاستقرار؛ فالاستقرار الأسري هو الضامن لسعادة الأب والأم والأبناء، ويعد عاملاً مهما في استقرار المجتمع؛ إذ الأسرة خاضعة للتفاعل بين أفرادها، فإما أن يكون هذا التفاعل إيجابياً فتتقدم الأسرة وتنتج أبناء صالحين، وإما أن يكون هذا التفاعل سلبياً فتصبح أسرة مريضة تهدد استقرار المجتمع الآمن بإنتاجها.

 إن الفرد الذي لا ينعم بالاستقرار الأسري لا يستطيع أن يمارس الاستقرار في علاقاته؛ فهو لا يعرف قيمة السلام لا سيما إن كان بداخله معارك قلق واضطراب؛ فالفرد يحمل بداخله سمات البيت الذي تربى فيه، ومن هنا كان اهتمام الإسلام منذ اللحظة الأولى للقاء الزوجين بوضع الضمانات الكافية لتحقيق الاستقرار الأسري، والجهل بالحق وبالواجب أو تجاهلهما أمر لـه أثره الخطير في العلاقة الزوجية، والحقوق والواجبات لا تقاس هنا بالكم؛ فللجانب النفسي فيها أهميته القصوى أيضاً.

هناك العديد من العوامل التي تؤدي إلى استقرار الحياة الأسرية والنجاح في الزواج؛ فتشابه الخلفية الثقافية أو اختلافها التي يحملها كل من الزوج أو الزوجة وينقلها إلى الحياة الزوجية قد تؤدي إلى التوافق والتجانس. وهناك عوامل ينتج عنها الفشل واضطراب الحياة الزوجية التي تنتهي بالصراع والخلافات؛ فظهور صعوبات تعوق التفاهم أو القيام بالأدوار، سواء من داخل جماعة الأسرة أو من خارجها، قد يسبب نشوء صراع مؤقت بين توقعات أعضاء الأسرة المختلفين، وإذا ما اتخذ هذا الصراع صفة الاستمرار فقد يؤثر على وحدة الأسرة وعلى استقرارها.

تلعب المرأة دوراَ حيوياَ ورئيساً في بناء المناخ الأسري وفي العملية التربوية؛ إذ إن لها دوراً بارزاً في احتواء الزوج والقيام بحقوقه بما يحقق الاستقرار الأسري الذي ينعكس على حياة الأبناء؛ فهي أول من يستقبلهم ويتواصل معهم في إطار علاقة عاطفية، ويكون الاعتماد الكلي عليها إلى أن يحدث الاستقلال بشخصياتهم.

إن الاحترام المشترك والمتبادل بين الزوجين هو من أهم عناصر الحياة الناجحة والاستقرار الأسري؛ فللتقدير والاحترام المتبادليَن أثرٌ بالغ في استمرار الحياة الأسرية، واحترام الآخرين يعني القيام بحقوقهم وتقدير ذواتهم، والاحترام بين الزوجين يعد درساً أخلاقياً جيداً للأبناء؛ فهم يتعلمون الاحترام تجاه والديهم، كما أنهم سيتعلمون الاحترام تجاه جميع الأفراد الذين يتعاملون معهم.

 كما أن المشاورة عند أخذ القرارات، وعدم اتخاذ قرار فردي، بل القرار المشترك، يعد هو الخيار الأفضل، وعندما تحدث المناقشة بين الزوجين يتعلم الأطفال منهما، وسوف يطبقون هذا في حياتهم المستقبلية في كل الجوانب. والتواصل والحوار من أهم أدوات استقرار الأسرة؛ فالتواصل المباشر والواضح والصادق والحوار البنَّاء من سمات الأسر المستقرة، والأسرة المستقرة هي أفضل بيئة للنمو الصحي للطفل، ومن هنا اهتم الإسلام منذ اللحظة الأولى بوضع الضمانات الكافية لتحقيق الاستقرار الأسري انطلاقاً من اختيار الشريك إلى بناء العلاقة الزوجية على المحبة والمودة والرحمة.

وعلى الرغم من تماسك وضع الأسرة – نسبياً – في المجتمعات العربية والإسلامية فإن السنوات الأخيرة عرفت كثيراً من المتغيرات التي أربكت نظام الأسرة، سواء على مستوى العلاقات أو على مستوى الوظائف والأدوار، مما فرض نوعاً جديداً من التحديات والتحولات السريعة التي لها انعكاساتها الإيجابية والسلبية على واقع الأسرة، وساهمت بشكل أو بآخر في تغيير بنيتها واتجاهاتها وتعقد مسؤولياتها؛ فهناك مجموعة من التحديات التي تواجهها الأسرة وتحدث أثراً عميقاً على المستويات المختلفة داخلها، منها ضعف التواصل بين أفرادها؛

 

إذ نجد العلاقات داخل الأسرة المعاصرة آخذة في التراجع، فقد تحولت من علاقات تسودها المودة والتعاون إلى علاقات قائمة على الذاتية والشخصية، ويمكن أن نرجع هذا التغير في شكل العلاقات إلى سيطرة الطابع الفردي على الحياة الاجتماعية ونمو الفردانية، وكذا تغير القيم الحاكمة للأسرة في الحياة المعاصرة التي تضخمت فيها قيم الأنانية والقسوة واللامبالاة، ونتيجة لذلك أصبحت هذه العلاقات مهددة -داخل الأسرة- بالتوتر والتأزم، بل وبالانهيار في أحايين كثيرة. وقد يرجع السبب إلى الثورة المعلوماتية وتكنولوجيا الاتصالات التي شكلتا أكبر تحدٍ للأسرة في علاقاتها نتيجة تكريس روح الفردية داخل كيان الأسرة، إذ يصبح لكل فرد من أفراد الأسرة عالمه الافتراضي الذي ليس له أي صلة بعالمه الواقعي الذي يعيشه مع أسرته.

 ومن التحديات التي تواجهها الأسرة أيضاً تحقيق التوازن بين الحياة العملية والحياة اليومية الأسرية لتحقيق الاستقرار الأسري، ويجده الكثيرون أمراً شاقاً وصعب التحقيق. ويمكن أن يتحقق هذا التوازن إذا وُجد حب البيت والأسرة والأبناء في قلوب الأبوين؛ حيث يلتزمون بمسؤولياتهم تجاه بعضهم بعضاً وتجاه أبنائهم كي تسير الحياة بشكل منتظم، وتقسيم المسؤوليات على الطرفين لن يشكل عبئاً على أيٍّ منهما. وتعد سيادة ثقافة الاستهلاك وارتفاع الاحتياجات اليومية للأسرة أمراً مدمراً؛ إذ يمثل العامل الاقتصادي أهمية قصوى في استقرار الأسرة؛ فتقدير دخل الأسرة وتنظيم ميزانيتها، وتوفير جميع حاجات الأفراد ومتطلباتهم الصحية وتأمين الملبس والمسكن المريح هو تحدٍ آخر للأسرة.

إن كثيراً من المشكلات والأزمات الأسرية قد يرجع أصلها إلى عدم نضوج الزوج أو الزوجة بالدرجة الكافية لمواجهة أمور الحياة، ويمكن إرجاع ذلك إلى الزواج المبكر في بعض الأحيان.

وفي النهاية، فمما لا شك فيه أن الزواج السعيد ينمو في جو عامر بالثقة والحرية والاحترام المتبادل؛ فليس أخطر على السعادة الزوجية من أن يعيش الزوجان في جو قاتم من الشكوك المستمرة والريبة الدائمة، أو في محيط خانق من الضغط المتوالي والقسر المتواصل. ولأن السعادة الزوجية ليست منحة أو هبة ربانية بل هي اكتساب؛ فإنه لا بد لضمان هذا الاكتساب أن يتعاون كل من الزوج والزوجة في سعي حثيث من أجل العمل على تحقيق أسباب التكيف، وتجنب دواعي الخلاف والنزاع والتشاحن، وزيادة عوامل التوافق والانسجام الشاملة؛ فالاختيار القائم على أساس الإيمان وحسن الخلق من جانب الزوج والزوجة هو صمام أمان للحياة الأسرية، فبالإيمان يستقيم البيت وتثبت قوائمه، ويصبح على أتم الاستعداد لمواجهة التأثيرات الداخلية والخارجية، ويجب القيام بالالتزامات العائلية التي تواجه الزوج والزوجة للاستمتاع بالاستقرار الأسري؛ لأن تجاهل المسؤوليات العائلية سينجم عنه صعوبة في السيطرة على الحياة الأسرية.

Name, Title

.تحليل ذو قيمة

bottom of page