top of page

المرأة وضغوط العمل

د. طه فارع الصنوي

المرأة وضغوط العمل.jpg

  يقصد بالضغوط بشكل عام المواقف التي يتعرض لها الإنسان وتكون تأثيراتها عليه أكبر من قدرته على التحمل، أما ضغوط العمل فهي عبارة عن التفاعلات التي تحدث بين بيئة العمل والأفراد وتؤدي إلى ظهور حالة وجدانية سيِئة، مثل القلق والتوتر، بسبب عوامل شخصية أو بيئية ترتبط مع أعمالهم في المنشأة، حيث ينتج عن هذه العوامل ظهور آثار جسمية أو سلوكية أو نفسية على الأفراد.

وتعد المرأة أكثر من الرجل تحسساً من الضغوط، وأكثر تخوفاً على تماسك الأسرة ومستقبلها، وتكون الآثار الناجمة عن الضغوط عند المرأة أقوى وأكثر تنوعاً من التي تحدث للرجل بحكم تكوينها البيولوجي والعاطفي أيضا، فضلا عن أن تأثيرات الضغوط النفسية لا تنحصر بالمرأة فقط بل تنعكس على أفراد الأسرة لا سيما البنات لأنهن الأكثر تعلقا بالأم.

ومما لا شك فيه أن العمل يجعل المرأة أكثر قوة وأكثر قيمة في مختلف النواحي الواقعية والمعنوية، كما أنه يشعرها بالرضا والسرور والنجاح مما يدعم ثقتها بنفسها.

وفي بلادنا، لا تزال القيم الاجتماعية المرتبطة بعمل المرأة غير إيجابية، ومع أن المرأة قد انخرطت فعلياً في ميادين العمل المتنوعة والضرورية، فلا تزال القيم الغالبة تثمن عمل المرأة داخل البيت فقط.

 

ويمكن لهذه الضغوط الاجتماعية أن تلعب دوراً سلبياً على الصحة النفسية للمرأة العاملة مما يخلق لديها قلقاً إضافياً حول مدى نجاحها في عملها وفي أدوارها الأخرى، وزيادة المسؤوليات الملقاة على عاتقها في المنزل، والمشكلات الزوجية. ويرجع ذلك إلى حداثة عمل المرأة خارج البيت، وإلى الضغوط والمعوقات الاجتماعية المختلفة، وإلى تركيبة المرأة الخاصة من حيث تأهيلها وتدريبها، مما يتطلب إعداداً وتدريباً ووقتاً كافياً كي تستطيع المرأة تلبية متطلبات الحياة العملية الكثيرة. إضافة إلى ذلك، عدم وضوح الأدوار والمسؤوليات التي يقوم بها كلا الزوجين، وعدم وجود تقاليد خاصة تحدد مشاركة الزوجين في أمورهم الحياتية وتنظمها من حيث المشاركة والتعاون في الأمور المالية وشؤون المنزل ورعاية الأطفال وغير ذلك مما يتصل بتفاصيل الحياة اليومية المشتركة.

تأتي المرأة للعمل وهي محملة بالقيم والعادات التي اكتسبها من بيئتها، وتأتي معها أيضاً ضغوط الحياة التي تعيشها، وهي بدورها تؤثر على طبيعة العمل، كما تتأثر بها، مما يولد آثاراً سلبية تأخذ صوراً متعددة قد تكون صحية أو نفسية أو سلوكية، وقد تكون شاملة لكل أو لمعظم هذه الجوانب؛ حيث تتعرض المرأة لكثير من المتاعب التي تظهر آثارها عليها.

 

فالآثار الصحية تظهر في شكل أمراض إذ يصبح الجسم أكثر عرضة للكثير منها، كالصداع المزمن وعسر الهضم والسكر وارتفاع ضغط الدم... إلخ. والآثار النفسية تظهر في شكل قلق، أو ملل، أو انخفاض الرضا الوظيفي، أو اكتئاب، أو أرق. أما الآثار السلوكية فتتمثل في العدوانية، والميل إلى التخريب، واتخاذ قرارات غير سليمة، وكثرة النزاعات مع زملاء العمل، بالإضافة إلى الغياب والتأخر وترك العمل، مما يؤدي إلى تدهور الأداء وانخفاض كمية الإنتاج وجودته وسوء الخدمات المقدمة.

ومن الملاحظ أننا نجد حالات من الارتباك والخجل أو ما يسمى بالرهاب الاجتماعي (الخوف الاجتماعي) عند عدد من النساء العاملات في عمل يتطلب إثبات الذات والتعبير عنها، إضافة إلى المهارات اللفظية وضرورة الحديث أمام الآخرين وإليهم، أو صعوبات في اتخاذ القرارات والاعتماد على النفس، وهذا يسبب لها اضطراباً وضغوطا وقلقاً؛ لأن تلك المواقف المرتبطة بالحياة العملية لم تعتد عليه المرأة سابقاً، ولم تعتد أن تتصرف فيها بنفسها.

ومن المشكلات التي تعاني منها المرأة غموض الدور الذي ستقوم به، ونعني به الافتقار إلى المعلومات التي تحتاجها لأداء دورها في المؤسسة، مثل المعلومات الخاصة بحدودها وسلطتها ومسؤولياتها، والمعلومات الخاصة بسياسات العمل وقواعده، وطرق تقييم الأداء وغيرها. إضافة إلى تحميل المرأة أعباءً فوق طاقتها مما يشكل مصدراً من مصادر الضغط. وقد تكون زيادة الأعباء من الناحية الكمية؛ حيث يُطلب منها القيام بأعمال أكثر مما تستطيع إنجازه في الوقت المحدد، وهذا يفرض بعض الضغوطات النفسية والاجتماعية التي قد تنعكس عليها وعلى أسرتها.

وبالإضافة إلى كونها ربة منزل وأماً وزوجةً؛ فقد أضيف لها دور جديد هو دور العاملة؛ وهذا الدور يفرض عليها أن تكون موجودة خارج المنزل لفترة طويلة مما يخلق لها بعض المشكلات، مثل عدم التكيف مع أوضاعها الجديدة لفشلها في المواءمة بين أدوارها في أسرتها وبين الدور الجديد والظروف الجديدة التي فرضها العمل. إضافة إلى ذلك، قد تواجه النساء العاملات مشكلة تعارض توقيت عودة الأبناء من المدرسة وتوقيت عودتها من العمل مما يجعل المرأة العاملة تشعر بالقلق وعدم الاطمئنان على أبنائها، وقد يترك ذلك توترات عصبية ونفسية تؤثر -بلا شك- على نفسيتها وعلى العمل. ونتيجة لذلك قد يتولد لديها صراع في الأدوار داخل الأسرة، كما أنه قد تحدث بعض المشاجرات بينها وبين زوجها بسبب مشروعية إنفاق المرأة على المنزل وتحمل جزء من مصاريف البيت. وقد يحدث أن يغتصب بعض الأزواج أجور زوجاتهم أو أن يرهقوهن بمطالب مادية.

 كما أن ارتفاع مرتب الزوجة عن مرتب الزوج قد يؤدى إلى شعور الزوج بالغيرة والإحباط، لا سيما إذا كانت في مركز وظيفي أعلى منه. وقد يشعر الزوج بالغيرة والضيق أكثر إذا كانت زوجته تعمل معه في نفس المكان، وتحاول أن تظهر كفاءتها مما يجعل الزوج ينظر إليها بوصفها منافساً له. وهذا الوضع سيؤدي حتماً إلى توتر العلاقة بينهما، وإلى خلق جو من الاكتئاب، وإلى اشتداد الخلافات والاضطرابات والمشاجرات مما يؤدى إلى ضعف تماسك الأسرة وإلى تفككها.

إن عمل المرأة وخروجها من البيت، وتعرضها للضغوط التي قد تكون اقتصادية أو أسرية أو عاطفية أو مهنية خاصة بالعمل، وتعاملها مع الزميلات والرؤساء وما يسببه العمل من توتر ومشادات أحياناً، كل ذلك يؤثر في نفسيتها وسلوكها، ويترك بصمات وآثارٍ على تصرفاتها، فيفقدها الكثير من هدوئها واتزانها، ومن ثم يؤثر بطريقة مباشرة على أطفالها وزوجها وأسرتها.

 إن نسبة كبيرة من العاملات يعانين من التوتر والقلق الناجمين عن المسؤوليات الكبيرة الملقاة على عاتقهن، والموزعة بين المنزل والأولاد والعمل، ويسبب لهن الكثير من الضغوط الحياتية والعملية مما يؤدي إلى حدوث تهديد حقيقي لصحتهن النفسية والجسدية، ومن ثم يؤثر ذلك على مستوى أدائهن في العمل والأسرة وفي إنتاجهن، ومن هنا يقل تقديرهن لذواتهن، وقد تسوء علاقاتهن بالمحيطين بهن.

Name, Title

.تحليل ذو قيمة

bottom of page