top of page

الجهل طريقُ التطرف

د. طه فارع الصنوي

الجهل طريق التطرف.jpg

الجهل هو عدم معرفة الشيء، وهو أمر طبيعي في حال معرفة الشخص أنه يجهل شيئاً ما. ومن الطبيعي أيضاً أن يسعى الشخص الذي يعلم جهله بشيء ما إلى البحث عنه ليعرفه، إنما الكارثة التي يمكن أن تحدث هي عندما يبحث جاهل الشيء عمن يقيده في المعرفة فيقع في يد جاهل آخر يدعي المعرفة والعلم يقدم له فتوى على هواه وحسب ما يراه ويتصوره بعيداً عن العقل والمنطق.

 

ومما لا شك فيه أن الجهل يعد محدداً رئيساً لتفشي الكثير من المشاكل والأوبئة والأمراض، وهو سبب رئيسي للتخلف والصراع، فالجاهلون هم وقود أي تطرف.

ثمة العديد من أنواع الجهل مثل الجهل الطبي، والجهل النفسي، والجهل الاجتماعي... إلخ، وما يهمنا هنا هو الجهل الأيديولوجي الذي يتبناه بعض الساسة وعلماءِ الدين والتربويين الذين ينشرون خطابات معادية لفكر أو لديانة أو لمذهب ما، كما هو حادث اليوم من ربط اسم الديانة الإسلامية في عالم ما بعد 2001 بالإرهاب.

 المشكلة أن مثل هذه الأحكام المعممة لا تأتي من عقول متعلمة، بل من عقول سطحية تجهل حقيقة الديانات ومضامينها كيفما هي، وبأسف شديد أُقر أن عالمنا يضم أصحاب العقول السطحية والصغيرة أكثر من غيرهم، مما أدى إلى تفشي الجماعات المتطرفة والمنظمات المعادية للإسلام، أو "المتخوفة منه".

إن أصحاب هذه العقول السطحية هي الأكثر سذاجة وتأثراً بأي أيديولوجية كيفما كانت، فهي عقول تسير مع التيار باستسلام تام لمؤثراته دون أي مقاومة، ويمكن تصنيف هؤلاء ضمن دائرة الذين لا يدرون ولا يدرون أنهم لا يدرون، بل ويعتقدون أنهم على دراية بكل شيء، وهي المفارقة ذاتها التي تحدث عنها أينشتاين مؤكداً وجود علاقة عكسية بين المعرفة والغرور.

 

هؤلاء - مع الأسف - يعمي غرورُهم المعرفي - أو بصيغة أخرى جهلُهم - قلوبَهم وعقولَهم. إنهم هؤلاء الذين ينتمون إلى جماعات متطرفة مؤمنة بسمو بني أجناسهم عن غيرهم، جماعات تستمد حماستها من سلطة الجماعة أو سلطة الكتلة. وعدد المنتمين إلى هذه الفئة يزداد يوماً بعد يوم، مما يولد لديهم إحساساً بسلطتهم، ويولد التطرف المتجسد في الانغلاق والابتعاد عن الاعتدال والمنهجية الوسطية، فضلاً عن التمسك بالمتبنيات الفكرية، والتشدد في البقاء عليها حتى مع الاعتقاد بضرورة تغييرها.

يتيح التطرف للأفراد إنتاج العنف فردياً أو جماعياً، متخذاً أشكالاً فكرية أو اجتماعية أو دينية، وتعد الأخيرة من أخطر مظاهر التطرف لارتباطها بالعقائد الدينية، وهي بمثابة خط أحمر لا يمكن الخروج عليه، وهو ما ظهر بوضوح على الساحة العالمية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء المنظومة الاشتراكية وبروز الجماعات التكفيرية المتطرفة. وقد سمح التطور التكنولوجي بانتشار ظاهرة التطرف والعنف بفاعلية كبيرة، ونجح في تنفيذ كثير من العمليات، ونشر الترويع والخوف، واستخدام الإرهاب الالكتروني أو إرهاب الشبكات.

يبقى السؤال الآن: كيف يمكننا الخروج من مأزق التطرف الذي أدى إلى الصراع بين المجتمعات، بل وبين أبناء المجتمع الواحد؟ للإجابة على ذلك يمكن القول إنه يجب ما يلي:

أولاً: الأخذ بالتعليم؛ فالتعليم –أولاً وأخيراً- هو الذي يضمن للدولة عدم انجراف أفرادها أو الاستسلام لوسائل التواصل الاجتماعي التي تصور المتطرف كأنه مشروع بطل، وتمنحه بعض الرضا المؤقت عن النفس، فيما هو في حقيقة الأمر ليس سوى بطل من ورق، مجرم متطرف سقط ضحية جهله؛ فلو انتشر العلم في عالمنا واندثر الجهل لانقلبت معادلة ابن رشد القائلة "الجهل يؤدي إلى الخوف، والخوف يؤدي إلى الحقد، والحقد يؤدي إلى العنف"، لتصبح المعادلة "العلم يؤدي إلى الطمأنينة، والطمانينة تؤدي إلى المحبة، والمحبة تؤدي إلى السلام والتعايش".

ثانيا: التوعية؛ فبناء الوطن المتجانس يتطلب حل أزمة الإنسان وصناعة المواطن المتزن قبل كل شيء، وهذا البناء ينطلق أيضاً من الدروس الأولى التي يتلقاها الفرد في المدرسة في صفوفه الأولى، كالأخلاق والقيم الوطنية والمواطنة.

ثالثاً: مراقبة وسائل التربية والتنشئة والإشراف عليها وجعلها في أيدٍ واعية بعيدة عن المتشددين كي نتجنب التطرف؛ فالجهل أساس التطرف ومصدره، وقد أثبتت الدراسات والأبحاث، بل والواقع أيضاً، أن الجهل يؤدي إلى التطرف، ولا مخرج من التطرف إلا بالقضاء على الجهل.

Name, Title

.تحليل ذو قيمة

bottom of page