أطفال اليمن والفقر
د .فتحية محمد باحشوان
ألقت الأحداث في اليمن بظلالها على كل نواحي الحياة الإنسانية، مما أدى إلى تردي الأوضاع الاقتصادية، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وتزايد أعداد النازحين بصورة غير مسبوقة، وارتفاع جنوني في أسعار الغذاء والدواء. ومما لا شك فيه أن الفقر أصبح واحداً من أهم المهددات الحقيقية للاستقرار الاقتصادي والأمني والاجتماعي للأسرة، ونتيجة لما سبق كله يعاني الأطفال من شتى أنواع الحرمان، ويتعرضون في حالات كثيرة إلى العنف الجسدي والنفسي، وتزداد هذه المعاناة في ظل ازدياد فقر أسرهم. إن أعداد الأطفال الذين يعيشون في أسر فقيرة ودخلها قليل كثيرة ونسبتهم في تزايد، وهذا يتسبب في تفاقم أوضاعهم المعيشية المزرية وزيادة حرمانهم من حقوقهم بوصفهم أطفالاً.
تعرف القوانين الحقوقية الطفل بأنه الذي لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره، والطفولة هي المرحلة العمرية الأولى التي يعيشها الطفل دون أن تكدرها الحياة بشوائبها، أو تبدل قيمه أو تغير من أخلاقه ومبادئه وسلوكياته، فيتعامل بفطرته السليمة، وهي –أي الطفولة- سلام لا نهائي.
وقد حذرت منظمة "حماية الأطفال" الدولية من أن الغلاء الحاد لمعظم السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية في اليمن، وانهيار قيمة العملة الوطنية إلى أدنى مستوياتها في الآونة الأخيرة يدفعان بمزيد من الأطفال إلى الفقر والجوع، وإلى عدم قدرة الأسر على شراء الطعام من الأسواق المحلية، وتشير المنظمة أيضاً -في تحذيرها إلى أن كثيراً من أطفال اليمن يعيشون على الخبز والماء، مع ما لذلك من آثار مدمرة على صحتهم، مما يؤدي إلى تفاقم أزمة الجوع، وسوء التغذية المستمرة، وتقزم نموهم البدني والعقلي، في وقت يبيع فيه آباء يائسون ذهب نسائهم ليوفروا الرعاية الطبية لأطفالهم.
وفي تقرير اليونيسف الذي صدر حديثا في يوليو بشأن تأثير النزاع على تعليم الأطفال في اليمن، فإن الأطفال غير الملتحقين بالمدارس أو الذين تسربوا من مدارسهم في الآونة الأخيرة قد لا يعودون للدراسة إطلاقا إذا لم يتم دعمهم بشكل صحيح، وقد أوضح التقرير أيضاً أن من بين كل (10) أطفال يعيش (8) منهم لدى أسر لا تمتلك الدخل الكافي لتلبية الاحتياجات الأساسية، ثم إن تفاقم الوضع السيء بسبب جائحة كـوفيد-19 أدى إلى توسيع دائرة الفقر وازدادت حدته لتشمل المزيد من الناس. وتحذر اليونيسف من أن الآثار الجانبية للجائحة التي ستكون كبيرة على الأطفال، ومن المرجح أن تتطلب تنفيذ استجابة على المدى الطويل.
قد تؤدي الأوضاع إلى إصابة العديد من الأطفال بالإعاقة، وإلى عدم القدرة في الحصول على الرعاية التي يحتاجون إليها، وغالبا ما تتدنى إمكانية الوصول إلى الخدمات الصحية والأدوية إما لعدم قدرة الأسر الفقيرة على تحمل تكاليف الرعاية الصحية، أو بسبب انهيار أنظمة الرعاية الصحية بأكملها أحيانا، إضافة إلى سوء التغذية الذي يعرقل النمو ويضعف جهاز المناعة وبذا يزيد بشكل كبير من خطري الاعتلال والوفاة.
ويعد الفقر من أصعب ما يتعرض له الإنسان، لا سيما الأطفال؛ إذ يؤثر على سلوكهم النفسي والاجتماعي، ويدفعهم إلى الانعزال وإلى مشاجرات مع أقرب أصدقائهم، وقد يعاني الأطفال أيضا من الاكتئاب والقلق والخوف والغضب ومشاكل في النوم، وهو من أهم المهددات الحقيقية للاستقرار والأمان التي تعترض الأسرة والطفل.
Name, Title
.تحليل ذو قيمة