top of page

التعايش ثقافـــة الشجعان

د. طه فارع غالب

img-pup-875545195.jpg

عرّف المُؤرّخ البريطانيّ أرنولد توينبي التعايش السلمي المجتمعي بقوله: "عِش ودَعْ غيرك يعيش".فالقول الأخير يشدّد على أن السلام بمفهومه الواسع يعني البعد عن الأنانية والأثرة، والنظرة الضيقة إلى الحياة، لاسيما الانطلاق إلى آفاق واسعة في البناء والتنمية والإعمار في كل شؤون الحياة ومجالاتها، واستيعاب وتقبّل الآخر بكل عيوبه ومحاسنه.

إن العالم أحوج ما يكون لتدعيم ثقافة التعايش المجتمعي بين أوساط المجتمعات والتخلي عن كل مظاهر العنف والحقد، وعدم تقبل الآخر الذي يظهر على بعض الطوائف أو الفئات داخل المجتمع. فثقافة التعايش السلمي تؤسس قيم الحوار، والتفاعل الإيجابي بين كافة الفئات والأطياف المذهبية أو العرقية أو القومية. إن مبدأ التعايش الحقيقي هو الحلم الذى يعتبره البعض لم يتحقق بعد، لكن يحدونا الأمل كنخب واعية ومحبة للسلام وقيمه بأن يأتي يوم تؤمن فيه مجتمعاتنا بثقافة السلام والتعايش المجتمعي. فنحن أيضًا على ثقة بأنه مع العزيمة الصادقة والإرادة الصلبة ستنتشر قيم المحبة والتعاون والتعايش بين الشعوب، وسيأتي يوم تنتهي فيه ثقافة العنف والإرهاب والعنصرية المقيتة لدى بعض المجتمعات.

 لكن يبقى السؤال الذي يفرض نفسه أمام جميع المهتمين بثقافة التعايش هو كيف تعي مجتمعاتنا معنى التعايش المجتمعي؟ إذ أن ثقافة التعايش بحاجة إلى من يؤمن بها ويعي أهميتها في حياته ويدرك بعمق أن الحياة بكل تشعباتها ومتطلباتها المختلفة لا يمكن لها أن تنمو أو تتطور إلا تحت راية ثقافة التعايش المجتمعي الواعي.

إن عملية التعايش المجتمعي تبدأ عادة من نظرة الإنسان لنفسه، ومن نجاحه في إقرار حالة التعايش الداخلي مع ذاته، فالتعايش يبدأ من الذات، ومن شجاعة الشخص وقوة قراره في التعايش مع الآخر، ويكتسب قدرة التأثير في الآخرين والبيئة المحيطة به، فالتعايش السلمي داخل أي مجتمع لا يتحقق من دون ترسيخ الوعي وتعزيز الثقافة والتعليم لأفراد المجتمع في مجال التعايش، لاسيما الشباب ومن هم في سنّ التعليم من خلال إعداد البرامج التربوية والثقافية التي تهدف إلى إكساب ثقافة التعايش المجتمعي. لهذا تحتاج هذه الثقافة لكلّ شعوب العالم إلى جهود الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني من أسرة وإعلام ودور عبادة وغيرها لإيضاح وتجنيب الأفراد كل ما يمكن أن يضعف هذا المبدأ أو يؤثر على تطبيقه، مع كيفية تفادي المعوقات التي قد تحدّ من تطبيقه في واقع الأفراد وإنهاء العوامل السلبية المؤثرة في ثقافة التعايش المجتمعي. إذ أصبحت هذه الثقافة اليوم أكثر من أي وقت مضى هدفاً استراتيجياً للكثير من شعوب العالم للحصول على حياة آمنة.

وما أحجونا في اليمن لذلك، حيث أن العمل بمبدأ التعايش السلمي سيجعل المجتمع أكثر ترابط، فلن يسود مبدأ السلام من دون التعايش بين الناس بالرغم من اختلافاتهم السياسية والاجتماعية والعقائدية. فمع التعايش المجتمعي الحقيقي ينتهي الصراع بكلّ أنواعه وسلبياته ، ومع ثقافة التعايش السلمي الواعية تنتفي التعصبات المقيتة بين الافراد والفئات المختلفة وتضيق دائرة الكراهية والحقد والأنانية وتتلاشى نزعات الطائفية والعنصرية بين أفراد المجتمع. وبمبدأ التعايش المجتمعي تتحقّق عناصر التنمية الشاملة للوطن وتسير دفة الحياة إلى الأمام بكل سهولة واقتدار.

Name, Title

.تحليل ذو قيمة

bottom of page