top of page

تجارة الموت

د. بلقيس مطهر العريقي

PHOTO-2021-02-17-09-33-27_1_edited.jpg

الحاجة أُمّ الإختراع. لعلّ هذا المثل يتجسّد في اختراع المبيدات الزراعية.

فمع ظهور آفات عديدة قد أتلفت المحاصيل الزّراعية المتنوّعة، مهدّدةً الأمن الغذائي، ومُحدِثَةّ خسائر جسيمة للمزارعين، توصّل العلماء إلى اختراع المبيدات كحلّ لهذه المشكلة. إنّما لم يخطر في بالِ أحدٍ أن هذا الاختراع سيصبح كارثة تهدّد حياة البشر، وبالذات في اليمن، نتيجة للاستخدام المفرط والعشوائي لها. فاستخدام مبيدات مهرّبة محرّم دولياً.

ختماً غدت المبيدات سلاحاً ذو حدّيْن خصوصاً في اليمن التي تُعتَبَر إحدى الدّول النامية الأكثر استخدماً للمبيدات منها المقلّدة والمهرّبة. إذ يُعتبَر القطاع الزراعي المصدر الأساسي للدّخل لدى جزء كبير من المواطنين، الأمر الذي يدفعهم إلى استخدام المبيدات رغبة منهم بحماية منتجاتهم من الآفات والأمراض وزيادة الإنتاج لاسيما كمحسّن للنمو العامل على سرعة قطفها وجني أرباح كثيرة لهم.

لكن المشكلة في استخدام المبيدات في اليمن تكمن في استخدامها المفرط والعشوائي من قبل المزارعين، حيث يجهل البعض منهم أساليب استخدام الأخيرة وتداولها، ذلك مع عدم الإلتزام بالتعليمات والإرشادات الخاصة بنشرة السلامة المكتوبة على علب المبيدات. وما يزيد من تفاقم الوضع هو دخول أنواع مختلفة من المبيدات المهربة والممنوع تداولها واستخدامها دولياً. فبين حينٍ وآخر تطالعنا الأخبار المحلية من هنا أو هناك عن ضبط كميات كبيرة لمبيدات محظورة في الأسواق المحلية التي تُعتَبَر خطراً حقيقياً يهدّد الأرض والإنسان.

 

ومن المبيدات المحظورة والمهربة إلى اليمن نذكر التوباز والديوكسين اللّتان تحتويان على مواد كيمائية، وزيادة فعالية المادّة التي تعمل فيها على زيادة هيجان النمو الخضري في الشجر. إذ تزداد خطورة هذه المواد في الاستخدام العشوائي لها من دون الالتزام بالجرعات المسموحة لاسيما عدد مرات استخدامها. 

ومع أن تجارة المبيدات المحظورة محرّمة دولياً، حيث أن منظّمة الصّحة العالمية أطلقت عليها اسم تجارة الموت، إلا أن الملاحظ أنه في السنوات الخمس الأخيرة راجت تجارة هذه المبيدات في اليمن.

فعدد تجارها في تزايد وتنافس لتهريب هذه المنتجات القاتلة، حيث يبيعونها ويخزنوها من دون رقابة ومتابعة ومحاسبة، طبعًا نتيجة لقصور الجهات المعنية، خصوصا  في ظلّ الوضع الرّاهن الذي تمرّ به البلاد.

 

ومع أن الجهات المعنية بالحدّ من تهريب هذه المبيدات ممثلةً بالجمارك ووزارة الزراعة تؤكد حدوث جرائم تهريب المبيدات باستمرار، إلا أنها تعزو ذلك إلى ضعف الإمكانيات، وعدم وجود مختبرات كافية لفحص المبيدات المحظورة، فضلاً عن تأكيد وزارة الزراعة رسمياً عام 2018 أن هناك جهات خارجية تسعى إلى إغراق السوق المحلي بمبيدات محظور استخدامها.

فهذه المبيدات تسبّب أضرار عديدة للبيئة، كتلوث التربة والمياه، كما أنها تضرّ بصحة السكان الريفيين والحضريين بشكل مباشر، حيث تصيبهم بأمراض قاتلة كالسرطان وفيروس الكبد بنوعيه، وبعضها يؤدي إلى الإصابة بالفشل الكلوي وأمراض أخرى متعددة تصيب الجهاز التنفسي والجهاز العصبي، كما يؤكد ذلك الأطباء، وبالذات بين متعاطي شجرة القات، لأن 70% من السموم المحظورة في اليمن، بحسب وزارة الزراعة، يتمّ استخدامها لرشّ شجرة القات.

في السّياق نفسه، يتوجّب تسليط الضوء على خطورة هذا القاتل الصامت لحياة الانسان والبيئة في اليمن. لذا نطالب الجهات الرّسمية بضرورة تفعيل الوسائل التوعوية والإرشادية للمزارعين، ودعمهم بوسائل الحماية، كالقفازات والكمامات والأحذية والملابس الخاصة بالرّشّ، إلى جانب وضع آلية لمنع تجارة المبيدات بصورة غير قانونية، وتشديد العقوبات المنصوص عليها حالياً، وتشديد الرقابة على محلات البيع في المديريات البعيدة كلّ البعد عن أعين السلطات الرسمية.

Name, Title

.تحليل ذو قيمة

bottom of page