top of page

ومضات من التّراث الثّقافي

د. بلقيس مطهر العريقي

24_12_2020_edited.jpg

تزخر اليمن بتراث مادي ومعنوي على مستوى المحافظات والمديريات والقرى أيضاً. فالموروث الثقافي لكلّ منطقة له نكهة خاصة تتميّز به عن المناطق الأخرى. فاليمن هي بلد الحضارات القديمة، البلد الأكثر ثراء في تراثه الثقافي، سواء كان التراث المعماري  كالمباني السكنية، والحصون، والقلاع، والمساجد، والنقوش والرسوم، والملابس، أو التراث المعنوي كالعادات والتقاليد، واللهجات، والزوامل، والأغاني والرقصات التقليدية.

 

إن الزائر للمدن اليمنية كصنعاء القديمة ومدينتي شبام وكوكبان وغيرها من المدن التاريخية، يقف يتأمل في بلاطها إجلالاً وإكباراً لجمالهن المعماري الأسر. فيلتقط بهاتفه صور أبراجها الجميلة، ويوثّق بمدونته براعة الإبتكار.

 

إن اليمن أولى بلاد العالم التي بنيت فيها ناطحات سحاب وتُعدّ مثالاً رائعاً لتراثنا الجميل، الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالهوية الوطنية.

إنما واجه هذا التّراث في الآونة الأخيرة مشاكل عدّة لها تداعيات خطيرة قد تؤدي إلى  طمس الهوية اليمنية وتغيير ديموغرافية الإنسان اليمني.

إن الهوية والتراث وجهان لعملة واحدة، وعبرهما تتشكّل شخصية الفرد والجماعة والهوية الثقافية لمواطني أي بلد. لكن هذه الهوية تواجه اليوم تحدّ كبير، بسبب الاضطرابات والأزمات التي تمرّ بها اليمن.

 

كما أن للعولمة تأثير على الهوية والتّراث حيث أنها خفّفت الاهتمام بالصّلة بين الإنسان وتراثه بسبب تركيزها على التطوّر والحداثة، مما أدّى  إلى اندثار  بعض محدّدات الهوية وطمس بعض المعالم الأثرية التي تحتلّ مساحة كبيرة في كثير من المناطق اليمنية والتي تشكّل أيضاً شواهد واضحة  على الحضارات المتعاقبة على أرض اليمن على مرّ العصور.

 

إذ تعتبر مدينة شبام حضرموت كإحى الشّواهد التي تعرّضت للإهمال مما نتج عنه عدم استغلال التنوع الثقافي بما يخدم الهوية السياحية المفروض إبرازها.

لذا لا بدّ من تسليط الضّوء على هذه المعضلة والعمل على تحديد المسببات الرئيسة لها في سبيل التوصّل لحلول مناسبة تساعد على إنقاذ المعالم الأثرية وتعريفها للعالم الخارجي بما يخدم المجال السياحي  في اليمن. فصنعاء القديمة، التي تُعتَبَر مصدر فخر للأجيال القاطنة به والتي صُنِّفَت سابع معلم عالمي بارز  في التصويت العالمي الذي تبنّته منظمة اليونسكو لاختيار سبعة من أبرز المعالم التاريخية العالمية كعجائب جديدة للدنيا من بين خمسة وعشرون معلماً تاريخياً عالمياً تنافسوا على إحراز لقب إحدى عجائب الدنيا السبع واختيرت صنعاء القديمة كإحدى عجائب الدنيا السبع  في عام 2002، تتعرّض للإهمال.

مبانيها في الوقت الراهن تعاني من تهديد مباشر وغير مباشر، بسبب سيول الأمطار، أو بسبب البنية التحتية المتهالكة، بالإضافة إلى تداعيات الحرب المفروضة على اليمن من القصف وغيره.  إن تداعيات الاهمال والحرب المفروضة جعلت مدينة صنعاء القديمة عرضة لخطر الاندثار والطمس، حيث أعلنت اليونسكو في أحد تقاريرها في شهر أغسطس الماضي عن إنهيار 111 منزل من منازل صنعاء القديمة وعلى رأسها منزل متنبي اليمن البردوني. 

وفي هذا السياق لا بدّ من التنويه أن الرأي العام اليمني قد شعر بهذا الخطر كدليل ظهور بعض مؤشرات التحرّك المجتمعي لإنقاذ وحماية مباني صنعاء القديمة من خلال المبادرات المجتمعية التي نشأت لهذا الغرض ومنها مبادرة "صنعاء بحاجتنا" التي قام بتأسيسها مجموعة من الشباب. إنما ذلك لا يعفي الجهات الرسمية من مسؤوليتها في اتخاذ إجراءات فعلية لحماية هذه المدينة الأثرية، بالرغم  من صعوبة  تحقيق ذلك في الوقت الراهن بسبب ارهاصات وتداعيات الحرب العبثية التي تشهدها اليمن.

لذا يجب التأكّد من أن التنوع الثقافي لا يدعو للتعصّب الموروث من منطقة إلى أخرى، بل هو مجال لتعزيز التماسك الاجتماعي، والتعايش السلمي، وتعزيز الهوية الوطنية الجامعة لكلّ اليمنيين على اختلاف ثقافتهم، بما يساعد الجيل الحالي على الاعتزاز بماضيه، وحلّ مشاكله المعاصرة، والتخطيط لمستقبله.

ختاماً، في سبيل الحفاظ على الهوية الثقافية اليمنية، يجب تعزيز الاهتمام بالتراث الوطني المعماري والثقافي وربطه بالهوية اليمنية ونشره عبر وسائل الإعلام المختلفة، بالإضافة إلى تشجيع السياحة الداخلية، فيعيش جميع  أبناء الوطن بثقافاتهم المتعدّدة ضمن كيان واحد، والاعتزاز بالهوية اليمنية كثقافة وهوية يمنية واحدة لها قداستها واحترامها. لذلك نؤكد على أهمية الحفاظ على التراث والمعالم الأثرية وحمايتها من التدمير الناجم عن الاضطرابات الأمنية الناتجة عن تداعيات الحرب أو النّاجم عن الكوارث الطبيعية. فقد استنكرت منظمة اليونسكو النهب والتدمير الذي طال التراث اليمني وطالبت بتمكين الجهات الرسمية والمنظمات المحلية والدولية والأفراد من حماية وصيانة المعالم الحضارية كونها ثروة قومية للأجيال القادمة، والحفاظ عليها مسؤولية وطنية. فمن لم يكن له ماض، لن يكون له حاضر ولا مستقبل.  

Name, Title

.تحليل ذو قيمة

bottom of page