top of page

ميول الطالب واحتياجاته

د. فتحية الهمداني

ميول الطالب .jpg

تظهر العديد من التساؤلات المهمة عندما نجد الكثيرين من خريجي التعليم الثانوي يركزون على تخصصات معينة ومحددة قد تكون أحياناً غير متناسبة مع قدراتهم وميولِهم الشخصية، كما أنها قد لا تتلاءم مع احتياجات سوق العمل مما يدفع بكثير منهم إلى هاوية البطالة؛ فهل كانت اختياراتهم للتخصصات وفق ميولهم الشخصية أم بتوجيه أسري، أم تقليداً للأقران، أم ماذا؟

إن الميول التي تصاحب طلبة التعليم المدرسي تُعد نزعة سلوكية تجذبهم نحو نوع معين من الأنشطة؛ لذا فإنها ترافق الفرد في مراحل حياته المختلفة، وتكون غير مستقرة في مرحلة التعليم التي تتصف بعدم الاستقرار النفسي والفكري بالنسبة للطلبة، حيث تجدهم يميلون للانخراط في الأقسام العلمية، وبعد فترة يجدون أنفسهم في الأقسام الأدبية. وقد تبرز المشكلة بصورة أكبر عند تخرجهم من الثانوية العامة التي تُعدُّ البداية الحقيقة للطالب للبدء في ممارسة حياته العملية التي قد يختار فيها نوعية حياته وأسرته مستقبلاً بدون إدراك لما سيكون عليه الوضع نتيجة الاختيار، فالكثير من أبنائنا يجدون أنفسهم ما بين خيارات متعددة ويقفون حائرين حول ما الذي سيختارونه؟

ولعملية اختيار التخصص أثر كبير على حياة الفرد وحاضره ومستقبله؛ فسيترتب على الاختيار العديد من النتائج المستقبلية الخاصة به وبأسرته، لذلك لا بد أن يتم مراعاة الميول الشخصية والقدرات الذاتية عند عملية الاختيار التي سيستطيع بواسطتها أن يبدع ويحقق طموحاته بناء على اختياراته، بالإضافة إلى ضرورة أن يكون الاختيار ضمن المجتمع وسوق العمل لكي يستطيع أن يحقق دوره ويؤمن مستقبله.

يجد الطلبة أنفسهم ما بين عدة خيارات تكون في معظمها بعيدة عن ميولهم وما يرغبون به، حيث نجد بعضهم قابع تحت مظلة اختيارات الآباء في محاولة بائسة لأن تتحقق أحلامهم في أبنائهم، ومن ثم يجبروهم على الالتحاق بتخصصات لا يميلون إليها بقدر ما هي تحقيق لأمنياتهم التي لم تتحقق، أو لرغبة الافتخار بأن أبنائهم يدرسون تخصصاً معيناً، كالطب أو الهندسة مثلاً، كل ذلك دون مراعاة للميول الشخصية والقدرات التي يمتلكها أبناؤهم.

وقد نجد بعض الطلبة يلتحقون بتخصصات التحق بها أقرانهم التحقوا فيقلدونهم في ذلك، فيما آخرون يلتحقون عن رغبة ودراسة ووعي لما يريدون أن يكونوه لكنهم يتفاجؤون بعد سنوات أن اختياراتهم لا تتناسب مع سوق العمل واحتياجات المستقبل. كل تلك الخيارات في ظل مناخ مدرسي وأسري غير قادرين على توجيه مهارات الطالب التوجيه الصحيح، مما يتسبب في دخول بعضهم في دوامة من القلق والخوف من المستقبل، فالآثار الناتجة من ضعف التوجيه المهني أو الأسري أو المدرسي لما بعد المرحلة الثانوية متعددة ومنها: إقبال الكثير من الطلبة على تخصصات معينة ينتج عنه مخرجات قد لا يستطيع سوق العمل أن يستوعبها نظراً لكثرة الأعداد، أو لعدم حاجة السوق إليها؛ وبذلك تظهر بطالة خريجي الجامعات، بالإضافة إلى أن بعض الطلبة قد يدرسون تخصصاً ثم لا يجدون ميولهم في ذلك فينتقلون إلى آخر فيجدون أنفسهم بين ضياع سنوات العمر وضياع الجهد والمال، كما أن الدولة قد لا تجد عوائد تنموية من تلك المخرجات البشرية التي لم تستطع أن تحقق طموحاتها.

نستطيع القول إن ما بعد المرحلة الثانوية هي المرحلة الفعلية للكثير من الخريجين لممارسة دورهم في بناء المجتمع من خلال التحاقهم بأحد تخصصات الجامعات، أو بأحد المعاهد التقنية، أو المهنية، أو حتى بممارسة مهنة معينة، أو فتح مشروع خاص، إنما من سيساعد الطالب في عملية تحدد نوعية التخصص أو التوجه المستقبلي لحياته العملية؟

يبرز دور الأسرة بالدرجة الأولى في هذه المرحلة لما يجب أن يقوم به الخريج، فالأسرة هي الموجه الرئيسي لميول الأبناء فالمتابعة المستمرة والقريبة لتحصيل الأبناء ستبلور البدايات الأولى لنوعية التوجه الذي يمكن أن يحققوا فيه ذاتهم ومهارتهم، فحين تكون المتابعة مستمرة يستطيع الوالدين أن يحددان نوعية الميول، وبالتحاور مع الأبناء عن نوعيه ميولهم تستطيعون توجههم نحو الأنسب لميولهم وبذلك يساهمون في عملية التنبيه المبكر لما يمكن اختياره من تخصص مناسب لأبنائهم يتلاءم مع احتياجاتهم المستقبلية وتساعدهم على تنمية البلاد بصورة ينتفع بها هم وأسرهم ومجتمعهم.

     يبرز دور المرشد الطلابي داخل المدرسة من المراحل المبكرة لدخول الطلاب إلى المدراس، حيث يعمل على توجيه ميولهم نحو اختيار التخصص المناسب داخل المدرسة، ثم يزودهم بالمعلومات عن التخصصات المتوفرة في الجامعات والمعاهد المختلفة التي يحتاجها سوق العمل فعلياً، وقد يكون ذلك التوجيه ضمن حصص محددة أو أنشطة متنوعة يتم تنفيذها بصورة توضح للطلبة أهمية هذا الموضوع بالنسبة لهم، مع ضرورة أن قيامهم بالبحث والدراسة لما يريدونه بعد مرحلة التعليم المدرسية لأن عملية الاختيار تحتاج لعملية تخطيط وتوجيه من قبل المحيطين بالطالب.

    يظل الشباب في جميع مراحل أعمارهم أساس للمستقبل؛ وهذا يتطلب تقديم الرعاية المستمرة لهم منذ بداية دخولهم إلى المدارس، وتنمية قدراتهم وميولهم الفكرية والعلمية بطريقة يستطيعون من خلالها تحديد مستقبلهم بطريقة ناجحة ويكونون عناصر فاعلة في مجتمعاتهم.

Name, Title

.تحليل ذو قيمة

bottom of page