top of page

إدارة الاختلاف

د. طه الصناوي

PicsArt_01-24-08.12.24.jpg

يصعب على المُجتمعات الإنسانية أن تعيشَ دائماً على منهج التوافق والانسجام الدائم فيما بينها بعيداً عن أي اختلاف. فالاختلاف مع سلبياته وعيوبه يمثل أيضًا عاملاً مهمًّا في إحداث التغيير والتطوير بين أفراد الشعوب. فبالرغم من أن الاتفاق يصنع الاستقرار والتماسك بين المجتمعات، لكنه قد يخلق أحيانًا جمودًا في سير الحياة، مهدّدًا التطوّر، وموقّفًا التغيير الإيجابي في أوساط المجتمعات، حيث أنه يقودها إلى الأمام ويصنع لها حزمة من الانجازات والتغييرات الإيجابية، في حال كان هذا الاختلاف موجّهًا وموظّفًا بشكل صحيح وواعٍ ومنطقي لخدمة المجتمع.

من هنا يذهب أستاذ العلوم السياسية إدوارد عازر إلى تحديد مفهوم الاختلاف باعتباره "الصّراع الاجتماعي والصِّدام الممتدّ الذي يحدث في الغالب بين طرفين، بهدف تحقيق حاجات الإنسان الأساسية كالأمن والاعتراف بالآخر والقبول به"، مع تحقيق انجازات سياسية أو اقتصادية لم تكن لتتحقق لولا وجود ذلك الاختلاف. وقد عرّف علماء النّفس والاجتماع الإختلاف بأنّه التّنافسُ بين جهتين أو طرفين سواءً كانوا أفرادًا أم جماعات داخل المجتمع الواحد.  

إن الاختلاف في حقيقته يمثل ظاهرة طبيعية قد تحدث في أي منظمة أو مؤسسة رسمية كانت أو خاصة. ويصدق ذلك في أي مجال أو تخصص من التخصصات التي تشغلها تلك المؤسسات،  كما أنها تتنوع وتختلف بتغيّر نوع الاختلاف الذي يتحوّل أحيانًا إلى نزاع. فهناك اختلاف  في المجال الاقتصادي، وآخر يتمحور في الجانب السياسي أو الإداري، وآخر في الجانب التعليمي.

ويحدّد العديد من الخبراء والمتخصصين في مجال إدارة الاختلاف، منهم توماس وكيلمان،  خمسة أساليب لفضّ الاختلافات وإدارتها، منها: التنافس، المساومة، التعاون، التجنّب، والتأقلم. كما يذهب البعض من خبراء إدارة الاختلاف إلى وجود ثلاثة اتجاهات لأي اختلاف وهي: خسارة - خسارة، فوز- خسارة، وفوز- فوز. فاتجاه خسارة - خسارة يعني نوع من الاختلاف الذي يميل إلى الانتهاء بشكل سلبي على جميع الأطراف المعنية. وينتج عن اتجاه فوز- خسارة فوز طرف ما، عادةً ما يكون على حساب الطرف الآخر. أما اتجاه فوز- فوز فهو أحد أبرز الاتجاهات الأساسية لفضّ الاختلافات وإدارتها، بل قد يكون اتجاه فوز- فوز الذي تمّ التوصّل إليه عبر التفاوض التكاملي قريبًا من الحلّ الأمثل لكلي الطرفين. فتحدث هذه المقاربة عن طريق مقاربة تعاونية بدلًا من مقاربة تنافسية.

ومن الممكن هنا الإشارة إلى طرق وأساليب إدارة الاختلاف  التي تتمحور مجملها حول ما يلي:    

  • التّفاوض: وهو الجهد المبذول من قبل طرفي النّزاع في سبيل الوصول إلى اتفاقٍ يُحقّق مصالح الطرفين، وتُعدّ خطوةً أولى جيّدة لكثير من أنواع النِّزاع.  

  • الوساطة: وهي الجهدُ المبذول من قبل طرفٍ ثالثٍ مُستقلٍ عن أطرافِ الاختلاف الأخرى، ويتمتّع هذا الطرف بالحياديّة والشّفافية لمساندة أطراف الخلاف على إدارته أو حلّه.

  • التّحكيم: تُعتبر عملية التحكيم الأسلوب الذي يقومُ به الطّرف الثالث الذي يتدخل في حلّ الاختلاف أو إدارته، والمُكلَّف بإصدار قرارات مُلزمة لأطراف الخلاف. فهو يُستخدم على نطاقِ النّزاعات الدّولية وعلى مستوى المؤسسات الاقتصادية، كما يُعتبر من الطرق الأكثر انتشارًا في المجتمعات التّقليدية.

  • التّقاضي: يمثل التقاضي بين الأطراف المختلفة الأسلوب أو الطريق الأكثر شيوعاً في طرق حلّ الاختلافات؛ حيث تتجّه الأطراف المختلفة لجهةٍ مدنيّة للفصل بينها، ويذهب تحديد الحكم إلى قاضٍ ومُحلّفين.

الخلاصة: ان الاختلاف ينطلق في مفهومه العام وهو التنازع في قضية ما أو مشكلة معينة بين طرفين أو أكثر، مما يؤدي إلى تفاقم المشكلة وتوسّع حجمها، منتجًا احتدام مُطَوَّرًا إلى نزاع ليبلغ أخبرًا الصراع، الذي يولّد بدوره الحرب بآثارها المدمرة والكارثية. ذلك يحقّق عندما لا تتوفّر المعالجات الملائمة والحلول المنطقية لتقويض النزاع وإدارته بشكل صحيح وموضوعي، وهو الأمر الذي ينعكس على العديد من المجتمعات في العالم الثالث، ومنها ما يعانيه المجتمع اليمني حالياً من نزاع حاد على المستوى السياسي بين الأطراف والقوى المختلفة على الساحة الوطنية. إذ لم تشهد اليمن أي إدارة ناجحة لحلّ هذا النزاع وإدارته باقتدار. فالتطوّر إلى صراع وحرب كارثية أهلكت الحرث والنسل بين الأطراف المتنازعة داخل المجتمع، ما أثّر سلباً في واقع حياة الأفراد، وفي كافة مجالات حياتهم.

خلاصـــة الرأي: إن إدارة الاختلافات والمساهمة الفعّالة في حلّها، بصرف النظر عن أي نوع كان هذا الاختلاف، في حاجة ماسة إلى بذل الجهود المتواصلة والفعّالة، مع توظيف الكفاءات البشرية المتخصصة والمتميزة التي تمتلك مواصفات خاصة علمية وفنية وإدارية في حلّ كافة أنواع الاختلافات، وذات قدرات عالية في الأداء والبحث عن الحلول الواقعية والممكنة لحلّ الأزمة أو المشكلة، والتحلي بالموضوعية والحيادية في إدارة الاختلافات حتى لا تتطوّر إلى نزاعات حادّة، وممارسة الضغوط الممكنة على الطرف المتسبب أو المصرّ على استمرار الاختلاف. فضلاً عن ذلك، من الضّروريّ الاستفادة من الخبرات السابقة للآخرين، فالاختلافات أولاً وأخيراً ذات علاقة وثيقة بالجانب الإنساني، وبالعدالة في حقّ البشر، والجميع اليوم أمام القيم الإنسانية وأمام تحقيق العدالة على حدّ سواء.            

Name, Title

.تحليل ذو قيمة

bottom of page