top of page

الجودة والتعليم العام

د. فتحية الهمداني

Statistics.jpeg

تسعى الكثير من الدول بمختلف كياناتها السياسية والاقتصادية إلى الاهتمام بالتعليم خصوصًا التعليم العام باعتباره أوّل المراحل التعليمية المبكرة التي لا بدّ من أن يلتحق بها أي طفل في أي دولة باستثناء مرحلة التعليم المبكرة (أي روضة الأطفال) والتي ليست إلزامية لكلّ الأطفال. فالتّعليم العام يمثّل مدخل البوابة الرئيسة لبناء الشعوب وتقدّمها وذلك لشموليته لمعظم الفئات العمرية من سنّ (7- 18) وهي الفئة المستهدفة لبناء الشعوب في أي دولة. فحظيت هذه الفئة بدراسات عدّة وبحوث عدّة كانت قد أكّدت أهمية إصلاح ممرّات التعليم العام وذلك بمقابل الكثير من التغيرات التقنية والتكنولوجية والاقتصادية والسكانية والسياسية التي تعصف بمختلف دول العالم. لذا، وجدت العديد من التوجهات الإدارية المعاصرة  للإصلاح وتحسين مخرجات التّعليم العام. ومن تلك التوجهات نذكر إدارة الجودة. فالجودة في الجانب التعليمي تُعدّ اتّجاهًا محوريًا ومعاصرًا لدى الكثير من الدّول خصوصًا في مجال تقويم الأداء وتطويره وتحسينه، وذلك حرصاً منها على جودة المنتج التعليمي.

وقد هدنا الله عزوجل بالإسلام الذي يمثّل بتعاليمه وتوجّهاته الجودة وما تهدف إليه كمصطلح إداري حديث في مختلف المجالات التعليمية والصناعية. فالدّين الإسلامي حثّنا على الاتقان والجودة في العمل، وأمرنا بذلك في الكثير من الآيات القرآنية. قال تعالى: "صنع الله الذي أتقن كل شيء أنه خبير بما تفعلون" (النمل: 88). ومن الأحاديث النبوية فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه"، والاتقان هو صمام العمل لنظام الجودة.

فالجودة كتوجّه إداري ظهرت في أربعينيات القرن الماضي. وكان التركيز منصبًا على المجال الاقتصادي والصناعي بالدرجة الأولى. وكثير من المهتمّين بالجودة والمتخصصين فيها يرون أن الجودة ومعاييرها تعدّ الثورة الثالثة بعد الثورة الصناعية، والثورة التقنية، أو ما يعرف بثورة الحاسب الآلي. وبنجاح الجودة في المجال الاقتصادي، وجدت العديد من التداعيات والمبررات لتطبيق الجودة في المجال التعليمي بمختلف مستوياته باعتبار الانسان أغلى الموارد على وجه الأرض. ومن تلك المبررات أن غالبية الدول النامية أخذت باستراتيجية الكمّ لاستيعاب تدفق الأطفال من السكان إلى الجهاز التعليمي. وهذه الاستراتيجية كانت على حساب النوعية لمخرجات العملية التربوية، والثورة التكنولوجية الشاملة والقائمة على التدفق العلمي والمعرفي والتي تمثّل تحدّيًا للعقل البشري مما جعل المجتمعات تتنافس في الارتقاء بالمستوى النوعي لمخرجات أنظمتها التربوية، وضعف مخرجات التعليم العام في الكثير من دول العالم، وضعف البنى التحتية لمدارس التعليم العام، الحاجة الماسة للاهتمام بالطالب الذي يمثل المنتج النهائي للعملية التربوية، الحاجة لاستثمار إمكانات وطاقات جميع الأفراد العاملين في العملية التربوية، تحسين العمل الإداري داخل المؤسسات التربوية لتحقيق الأهداف بكفاءة عالية.

وتعرف الجودة في التعليم  بأنها: أداء العمل بطريقة صحيحة وفق مجموعة من المعايير، والمواصفات التربوية اللازمة لرفع مستوى جودة وحدّة المنتج التعليمي بأقلّ جهد، وتكلفة وبكفاءة عالية. وتتضمّن الجودة في التعليم الكثير من المبادئ أهمّها: التركيز على العميل (الطالب) ومحاولة تلبية توقعاته الحالية والمستقبلية، دعم القيادة بكلّ مستوياتها الدنيا - الوسطى - العليا للعمل وللوصول للجودة وتحقيق الأهداف لاسيما تشجيع مشاركة العاملين والتغيير من الأسلوب التسلطي إلى أسلوب المشاركة والتفويض ومنح الصلاحيات لمزوالة المهام في المؤسسة التعليمية، التحسين المستمرّ والعمل على تقديم خدمات تعليمية مميزة، الاهتمام بالعلاقات الانسانية والعمل بروح الفريق الواحد واستحداث نظام الحوافز بحيث يراعي فيه العدالة التنظيمية المؤسسة التعليمية.

وبذلك، الجودة في التعليم فلسفة إدارية متنوعة المجالات (الإنسانية- التربوية- التقنية- الإدارية) وذلك لتطبيق العديد من العمليات التي تهدف إلى تطوير وتحسين العمل الإداري والتنظيمي داخل المؤسسة التعليمية من خلال تحديد المهام والأهداف، الأنشطة، والوسائل اللازمة لتطوير العمل الإداري بمختلف مستوياته لاسيما لرفع جودة المخرجات التعليمية. فذلك يتطلب وضع رؤية تتكامل فيها وجهات النظر لجميع العاملين في المؤسسة التعليمية حول طبيعة الأهداف التربوية ووسائل تحقيقها والمستويات المعيارية والسلوكية المعبّرة عنها، مع إدراك الجميع لمسؤولياتهم وواجباتهم، وحرص القيادة التعليمية على تنمية استراتيجيات لتنفيذ المهام الإدارية والتعليمية وتحقيق الأهداف المحددة والمعلنة مسبقاً لجميع عناصر العملية التعليمية داخل أو خارج المؤسسة التعليمية. كلّ ذلك في ظلّ مناخ قيادي يتّسم بالعمل الجماعي وروح الفريق الواحد، لتحقيق مستوى عالٍ من الأداء الذي ينعكس على جودة النتائج (المخرجات التعليمية).

وتتركز معايير الجودة التعليمية في معايير مرتبطة  بالمناهج والمقررات الدراسية، معايير مرتبطة بالمعلمين، معايير مرتبطة بالإدارة المدرسية، معايير مرتبطة بالإمكانيات المادية، معايير مرتبطة بالعلاقة بين المدرسة والمجتمع. وتتضمن هذه المعايير العديد من المؤشرات الكمية والكيفية التي يتمّ من خلالها الكشف على فعالية أو فشل نظام إدارة الجودة في المؤسسة التعليمية.

 يمثل التعليم العام الرافد الرئيسي في الدول النامية لسوق العمل والوحيد لمؤسسات التّعليم الجامعي في جميع بلدان العالم، وهذا يتطلب الكثير من الإصلاحات والتوجهات الإدارية الحديثة في سبيل تحسين جودة تلك  المخرجات في ظلّ مناخ إداري يتّسم بالمرونة والشفافية والعمل بروح الفريق الواحد والإستغلال الأمثل للموارد المتاحة لتحقيق أهداف المؤسسات التعليمية بأقلّ جهد وتكلفة.

Name, Title

.تحليل ذو قيمة

bottom of page